من هو طرزان
أفكار بصوت مرتفع
زينب كاظم
قد يستغرب البعض أن شخصية طرزان التي كنا نشاهدها في أفلام الكارتون وغيرها من الأفلام شخصية عراقية حقيقية واسمه أحمد بدوي أو طرزان مانيساولقب بهذ اللقب بسبب ظهوره في فلم طرزان مانيسا أو احمد الدين كارلاك ولقب بكارلاك بسبب ملابسه الهزيلة وبحسب السجلات الرسمية للدولة العثمانية أن أحمد من مواليد ١٨٩٩م في سامراء العراق أيام الحكم العثماني وتوفي في ٣١ مايو سنة ١٩٦٣م في مانيسا بتركيا وكان يحمل ميدالية الأستقلال وحارب بحرب الأستقلال وسنتحدث في هذا المقال عن تلك الميدالية وعن تلك الحرب وعن سبب تسميته بطرزان، لكن سنوضح سبب تسميته أولا بطرزان مانيسا ولماذا بالذات مانيسا وما هي مانيسا اساسا ،أن مانيسا مدينة ضمن المدن التركية وهي ضمن محافظة مانيسا الموجودة في غرب تركيا في وسط منطقة بحر ايجة وهي قريبة من أزمير واغلبنا يعرف مدينة أزمير وهي تبعد عن أزمير حوالي أربعين ميل من ناحية الجنوب الغربي ويبلغ عدد سكانها ٣٦٠الف نسمة وتبلغ مساحتها حوالي ١٣٠٠الف كيلو متر مربع وتعتبر مدينة مانيسا مركز اقتصادي جدا مهم ولها أيضا أهمية تأريخية قديمة ومرت على مدينة مانيسا الكثير من الحضارات القديمة مثل الحضارة الحثية والحضارة الأغريقية والحضارة الرومانية وبعدها حكم دولة السلاجقة وسابقا كان يطلق عليها اسم مغنيسيا وبعد أن دخلها الأسلام سميت مانيسا وفي عام ١٣١٣م سيطر عليها السلطان ساروهان بيگ وبعدها صارت المدينة عاصمة لسلالة ساروهان وفي العصر العثماني صارت المدينة ولاية للأمراء وأولياء العهد لأنهم كانوا سابقا يأخذون الأمراء وأولياء العهد لتدريبهم على إدارة الحكم لذلك في هذا العهد أي العهد العثماني تطورت جدا تلك المدينة وصار فيها مساجد وجسور ومدارس وحتى مرافق حيوية وقصور أي أن المدينة كانت نوعا ما بدائية وقديمة لكن عندما جاء الحكم العثماني وجاء فيها الأمراء تطورت بشكل كبير حتى صارت في القرن السادس عشر الميلادي من أشهر المدن العثمانية إذ كانت مهمة من الناحية الاقتصادية والإدارية والأجتماعي وتعتبر كذلك مدينة مانيسا موطن نشوء الحركة الصوفية وكان ذلك تحديدا في القرن الخامس عشر الميلادي ومؤسس هذه الحركة جلال الدين الرومي وأكثر ما أشتهرت فيه مدينة مانيسا أحتفالاتها مثلا احتفال مسير الذي كان يبدأ آنذاك في شهر مارس من كل عام وهو أحتفال تقدم فيه حلويات خاصة تسمى حلوى مسير لأنه في أعتقادهم أن الوصفة المستخدمة في هذا النوع من الحلوى ساهمت في شفاء أحد السلطانات وتحديدا والدة السلطان سليمان القانوني وهذا الأحتفال يأتيه الناس من كل مكان في تركيا وليس فقط الناس العاديين بل نجد فيه شخصيات إجتماعية وسياسية وممثلين وكل الناس في تركيا تحتفل بهذه المناسبة وفي ٣١مايو من كل عام يحتفلون بذكرى وفاة طرزان مانيسا وهذا اللقب يرجع لأحمد الدين أو أحمد بدوي وهذا هو موضوع المقال الرئيسي و أحمد بدوي هو من سامراء العراق أيام الحكم العثماني وكان أحمد بدوي جندي في الجيش العثماني ايام الحرب العالمية الأولى واستمر في الجيش في الحروب التي حدثت بعد ذلك في تركيا كذلك والتي كان يطلق عليها إسم حروف الاستقلال إذ قاتل احمد بدوي في الجبهة الشرقية التركية بقيادة الجنرال كاظم وكان شجاعا جدا وكرم بميدالية الأستقلال بسبب بسالته وصموده علما أن تلك الميدالية لم ينالها الا عدد قليل من المقاتلين ولربما لم يأخذها أحد غيره من الجنود الا كبار الرتب لكن أحمد بدوي كان حالة استثنائية وبسبب هذا الشيء صار مشهورا جدا والناس كلها تعرفه لكنه كان إنسانا يكره الشهرة ولفت الأنتباه إذ يحب أن يقوم بواجبه بصمت وهذا يوضح كم أن هذا الأنسان كان محترما وبعد الحرب وبسبب كم الحرائق التي حدثت في مدينة مانيسا من جراء الحرب قرر أحمد بدوي أن يختفي ويذهب للعيش في جبل وهذا الجبل اسمه جبل سيبيل وبعد حرب الاستقلال تحديدا و التي انتهت عام ١٩٢٣م قرر الأختباء هناك وقرر العيش في الجبل على طبيعته فكان دائما عاري الجسد ويغطي فقط الجزء السفلي من جسده وكان يسكن في كوخ وينام على سرير مصنوع من خشب الأرز أما بالنسبة للطعام الذي كان يأكله فقد تحول لأنسان نباتي وخلال عشر سنوات لم يكن يذهب للمدينة الا للضرورة وكان عندما يذهب للمدينة يستغرب الناس من مظهره لأنه كان طويل اللحية نصف عاري ولا يغطي الا الجزء السفلي من جسمه وكان سرواله قديما باليا لذلك يظل الناس بالمدينة تنظر إليه بتعجب لكن كان شيئا غريبا في هذا الرجل يجعل الناس جميعا يستلطفونه ويحبونه جدا خاصة بعد سماعهم أنه زرع آلاف الأشجار في الجبل بمفرده طيلة فترة وجوده في الجبل فبكل تأكيد سيحبه الناس خاصة وهو كان مسالما ولا يؤذي الناس ولم يكن غريب الأطوار أو مجنون بل كان ذو شخصية جميلة جدا ومثقفا للغاية ومعروفة بحبها للقراءة فبدأت شهرته تزيد حتى صار معروفا عالميا حتى باتت أغلب الصحف تكتب عنه حتى صارت بعض الشخصيات تحاول التقرب منه مثل الممثل الأمريكي جوني ويسمولير بعد أن قرأ مقالا عنه فقرر أن يذهب إلى تركيا للقاءه وتأثر بتجربته وبالفعل تم اللقاء لأن هذا الممثل أراد أن يقدم فلم طرزان فطلب من أحمد بدوي أن يتعلم منه وبالفعل نزل هذا الفلم عام ١٩٣٢م وبعد أن نزل ذلك الفلم وزادت شهرة وشعبية أحمد بدوي أكثر واكثر قامت بلدية مانيسا أن تخصص لأحمد راتبا شهريا ثابتا كبستاني أو مزارع لا يتجاوز ٣٠جنيه استرليني واستغل شهرته بأنه صار ناشطا بيئيا يتحدث دائما عن أهمية الحفاظ على البيئة وتنشيط الزراعة فحتى شهرته استغلها بشيء يخدم البيئة والناس وفي ٣١مايو ١٩٦٣ م توفي أحمد بدوي وسط محبة الناس واحترامهم رغم أنه توفي وحده بلا زوجة ولا أولاد ولا أهل لكن الناس كلها آنذاك كانوا أهله وفي نفس تأريخ وفاته من كل عام تحتفل فيه المدينة ويذكر الناس الأعمال الرائعة التي قام بها أي صار ذلك احتفالا قوميا وصار من أهم رموز مدينة مانيسا حتى سمي شارع بإسمه وصنعوا له اكثر من تمثال وفي عام ١٩٩٤ م أنتج فيلما سمي بطرزان مانيسا يتحدث عن حياته وقد رشح هذا الفلم لجائزة الأوسكار لأفضل فلم ناطق بلغة غير الانجليزية ،وهناك مناسبات كثيرة ارتبطت باسم احمد مثل اسبوع العمل البيئي يطلقون عليه اسم اسبوع طرزان مانيسا وجوائز مجلس المدينة يسمونها جوائز طرزان حتى مشجعين فريق مانيسا أطلق عليه اسم (Tarazanlar)بل وحتى هناك مدرسة سميت باسمه كذلك هناك حديقة اسمها حديقة الفاتح وضعوا فيها نصبا تذكارياً لأحمد بحجمه الطبيعي وسط تلك الحديقة وهناك اعتقاد من الناس أنه احمد يظهر ويتجول بين الناس في شوارع مانيسا يوميا في منتصف الليل الساعة ١٢ليلا .
أن العبرة التي نتعلمها من قصة أحمد بدوي أنه شخص واحد فقط يؤثر في مجتمعا كاملا أو دولة كاملة بدون أن يحتاج مساعدة أحد فمثلا أحمد كان يعمل لوحده وزرع آلاف الأشجار بمفرده وكان محبا للناس وللبيئة وللطبيعة وهنا دوما نكرر أن ثورة الإنسان تبدأ من داخله ،وكان إنسانا يعيش على فطرته رغم مظهره الذي تحدثنا عنه إذ كان الناس يحترمونه ويحبونه ولم يكونوا يحكمون على شكله بل يحكمون على الأمور الجيدة التي قام بها فليتنا نتعلم من تلك القصة ولا نحكم على بعض من مجرد شكل ومظهر فالكثير من الناس مظهرهم متعب وملابسهم رثة وقلوبهم الماس .