#عمرو مصباح
كتبت د/غادة حجاج
تم النشر بواسطة: عمرو مصباح
*التحرش بالأطفال: دوافع المتحرشين، الأسباب، العقاب، والعلاج**
التحرش الجنسي بالأطفال جريمةٌ تُهز الضمير الإنساني وتترك آثاراً عميقةً على الضحايا وعائلاتهم والمجتمع ككل. ورغم خطورة هذه الجريمة، تظل الأسئلة حول دوافع المتحرشين وعقابهم وعلاجهم موضوعاً مُلحاً يتطلب فهماً عميقاً لطبيعة هذه الظاهرة، سواءً من الناحية النفسية أو الاجتماعية أو القانونية.
-*نفسية المتحرشين: بين الاضطراب والانحراف**
لا يُمكن حصر دوافع المتحرشين بالأطفال في سبب واحد، إذ تختلف الحالات تبعاً لخلفياتهم النفسية والاجتماعية. تشير الدراسات إلى أن بعضهم يعاني من اضطرابات نفسية مثل:
1. **اضطراب التفضيل الجنسي للأطفال (Pedophilic Disorder):**
يتميز هذا الاضطراب بانجذاب جنسي مستمر نحو الأطفال قبل البلوغ، وقد يكون سبباً بيولوجياً مرتبطاً بخلل في تكوين الدماغ أو اضطراب هرموني. لكن الجدير بالذكر أن عدم جميع المصابين بهذا الاضطراب يُقدمون على التحرش، فالكثير منهم يخضعون لعلاج لتجنب الانزلاق إلى السلوك الإجرامي.
2. **اضطرابات الشخصية:*
مثل اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع (السيكوباتية)، حيث يفتقد الفرد التعاطف مع الآخرين، ويستخدم العنف أو التلاعب لإشباع رغباته دون مراعاة العواقب.
3. **التعرض لصدمات الطفولة:
بعض المتحرشين كانوا ضحايا لاعتداءات جنسية أو إهمال عاطفي في صغرهم، مما قد يخلق لديهم تشويهاً في فهم العلاقات الصحية، أو يُعيدون إنتاج العنف الذي تعرضوا له كوسيلة للسيطرة.
4. *الضعف الأخلاقي والانحراف السلوكي:
قد ينبع الفعل من انعدام الوازع الديني أو الأخلاقي، أو نتيجة تعرض الفرد لبيئة تشجع السلوكيات المنحرفة مثل تعاطي المواد الإباحية التي تستغل الأطفال.
*لماذا يفعلون ذلك؟ دوافع مُتداخلة
– **الشعور بالقوة والسيطرة:** الأطفال ضعفاء جسدياً ونفسياً، مما يجعلهم أهدافاً سهلةً للمتحرشين الذين يسعون لإثبات هيمنتهم.
– **الهروب من الواقع:** قد يلجأ البعض إلى الاعتداء كوسيلة لتجنب مواجهة فشلهم في العلاقات الاجتماعية مع البالغين.
-الإدمان السلوكي:
– تتحول الرغبة الجنسية المنحرفة إلى إدمان، خاصة مع غياب الرقابة أو سهولة الوصول إلى الضحايا عبر الإنترنت.
— التأثر بالبيئة الرقمية: سهولة انتشار المواد الإباحية التي تستهدف الأطفال قد تُطبع السلوك وتجعله يبدو “مقبولاً” في عقل المتحرش.
-العقاب: بين العدالة والردع**
تختلف القوانين العالمية في عقاب المتحرشين، لكنها تتفق على ضرورة أن تكون العقوبات رادعةً وحاسمةً لتحقيق العدالة وحماية المجتمع. من أبرز أشكال العقاب:
– **السجن لفترات طويلة أو المؤبد:** خاصة في الحالات المتكررة أو التي تتضمن عنفاً شديداً.
– **التسجيل في قوائم المجرمين الجنسيين:** لمنعهم من الاقتراب من أماكن تواجد الأطفال.
-العقوبات الاجتماعية: مثل الحرمان من العمل في وظائف تتطلب تعاملاً مع القُصر.
لكن العقاب وحده لا يكفي، إذ تظهر إحصائيات أن نسبة العودة للإجرام (الانتكاس) مرتفعة دون برامج علاجية مصاحبة.
العلاج: بين الإصلاح والوقاية
العلاج الفعّال للمتحرشين يجب أن يجمع بين الجانب النفسي والاجتماعي، ويتضمن:
1. **العلاج السلوكي المعرفي :*
لمساعدة المُعتدي على فهم دوافعه المرضية، وتطوير آليات للسيطرة على الدوافع، وإعادة بناء مفاهيم أخلاقية.
2. **العلاج الدوائي:**
مثل مضادات الاكتئاب أو الأدوية المثبطة للهرمونات الجنسية لتقليل الرغبة.
3. **برامج إعادة التأهيل داخل السجون:**
كجلسات العلاج الجماعي، وتوعيتهم بآثار جرائمهم على الضحايا.
4. **الوقاية المجتمعية:**
– توعية الأطفال بحقوقهم وكيفية حماية أنفسهم.
– مراقبة المحتوى الرقمي ومحاربة المواد الإباحية غير القانونية.
– دعم الأسر الفقيرة أو المُهمشة التي قد تكون بيئة خصبة للاستغلال.
الخلاصة
التحرش بالأطفال جريمة لا تُغتفر، لكن فهم نفسية الجناة لا يعني تبرير أفعالهم، بل يساهم في وضع استراتيجيات شاملة للحد من الظاهرة. فبينما يجب أن ينال الجناة عقاباً عادلاً فإن تقديم فرص للعلاج يُقلل من خطر تكرار الجريمة ويحمي الأجيال القادمة. في النهاية حماية الأطفال مسؤولية جماعية، تبدأ بتعزيز الوعي وتنتهي ببناء مجتمعٍ يقف ضد الانتهاك بكل أشكاله.