إسلاميات ومع الغاية من العبادة ” الجزء التاسع ”
إعداد/ محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء التاسع مع الغاية من العبادة، فإن الحياة الطيبة والسعادة، والعيشة الهنية الرضية مطلب مهم، ومقصد أسمى، يسعى إلى تحقيقه البشر، وتشرئب إلى سماعه النفوس، وتطمح إلى تحقيقه وبلوغه الأفئدة، وإن السعادة هدف سامي ينشده كل الناس، ويبحثون عنه، بدءا من المثقف إلى العامي، ومن السلطان إلى الصعلوك، ما منهم من أحد إلا يكره حياة النكد والشقاء، ويرنو إلى حياة السعد والهناء، ولهذا تعددت مشارب الناس ووسائلهم، وتنوعت أساليبهم وأفهامهم في البحث عن السعادة، والعيش في ظلالها،إلا أن من الناس من قد أخطأ الطريق، وزل به الفهم في إدراك معنى السعادة الحقة، وتحقيق الحياة المطمئنة التي يرغب فيها، ويسعى إلى بلوغها.
لأنه لم يسلك الطريق الصحيح لبلوغها، فمن الناس من يبحث عن السعادة في جمع الأموال، فيراها في تحصيل القناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث، ومن الناس من يبحث عن السعادة في المناصب والوجاهات والرئاسة، وحب الإستعلاء، فيراها في الوظائف والمناصب التي ترفعه عن الناس، ومنهم من ينشد السعادة في كثرة الأولاد، وصحة الأجسام، وشبع الأبدان، والمظاهر والشكليات، ومنهم من لا يرى السعادة إلا في متعة البدن، وكثرة اللهو واللعب، وتقطيع الأوقات، وإمضاء الساعات في المقاهي والاستراحات والمتنزهات، والعكوف على المشاهد والقنوات، ولقد طلب السعادة أقوام على مر العصور بطرق متعددة.
ليست على هدي الله تعالى وهدي رسله الكرام عليهم الصلاة والسلام، فكانت بعض هذه الطرق سبب لدمارهم وهلاكهم، وإن لنا فيما قصه الله علينا في كتابه الكريم من قصص أقوام طلبوا السعادة في غير مظانها الحقيقية فانقلبت سعادتهم شقاوة أبدية في الدنيا والآخرة، إن لنا في ذلك لمعتبر، فهذا فرعون أعتى من عرفته البشرية تكبرا وتجبرا، ينعم الله عليه بأعظم النعم، ويعطيه ملك مصر، ويجمع له الناس، ويُجري له الأرزاق والأنهار، فيخاطب الملايين الذين استعبدهم عقودا من الزمان ويقول كما جاء فى سورة الزخرف “يا قوم أليس لى ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتى أفلا تبصرون” وأيضا يقول كما جاء فى سورة القصص “ما علمت لكم من إله غيرى”
فكان عاقبة هذا العتو والتكبر والتمرد الشقاء واللعنة والهلاك كما جاء فى سورة النازعات “فأخذه الله نكال الآخرة والأولى” وكما جاء فى سورة غافر “وحاق بآل فرعون سوء العذاب، النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب” وهذا قارون منحه الله تعالى كنوزا كالتلال تنؤوا بحمل مفاتحها الأثقال، ما جمعها بجهده ولا بكده، بل بفضل الله ونعمته، وحُذر من الفساد في الأرض، والتكبر على العباد، لكنه استكبر وعتى عما نهى الله عنه، فحُرم السعادة في الدنيا والآخرة، فقال تعالى كما جاء فى سورة القصص “فخسفنا به وبداره الأرض فما كان من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين”
وهذا الوليد بن المغيرة يرى أن السعادة في تكثير الأموال والأولاد، ويرزقه الله مالا ممدودا، وعشرة من الأبناء عن يمينه وشماله، فيكفر بنعمة الله عليه، ويعصي رسوله، ويهزأ به، فيُحرم السعادة، ويُكتب له الشقاء في الدنيا والآخرة، فقال تعالى كما جاء فى سورة المدثر “ذرنى ومن خلقت وحيدا، وجعلت له مالا ممدودا، وبنين شهودا، ومهدت له تمهيدا، ثم يطمع أن أزيد، كلا إنه كان لآياتنا عنيدا، سأرهقه صعودا” وغيره وغيرهم، أمم وأقوام في الماضي والحاضر انتكست أفهامهم في طلب السعادة، فطلبوها في غير طرقها الصحيحة، فما لبثوا أن انقلبت عليهم حسرة وندامة وشقاوة وتعاسة، والحق أن السعادة الحقيقية والحياة السعيدة ليست في شيء مما مضى كله بدون توفيق الله تعالى.