يبحثون عن الملتزم ليفضحوه… ولا يبحثون عن العاصي لينصحوه!

بقلم: هبة هيكل-عصمت ابوالروس 

في زمنٍ ازدحمت فيه الوجوه وقلّت فيه القلوب، أصبح من السهل أن يلتقط الناس زلّة الملتزم، وأن يسلّطوا الضوء على عثرته، وكأن الخطأ منه فضيحة، بينما الخطأ من غيره “حرية شخصية”، أو حتى يُقابل بالشفقة والستر.

صار الناس – إلا من رحم ربي – يبحثون عن الملتزم، المتدين، صاحب اللحية أو النقاب، صاحب المسجد أو الحجاب، ليراقبوه لا ليحتفوا به، بل ليرصُدوا تعثره… فإن زلّ، نسوا له كل سجدة، وتغافلوا عن كل دمعة خاشعة، وضخّموا زلّته كأنها وصمة لا تُغتفر، وكأنهم لا يخطئون.

> وكأن الملتزم، في نظرهم، قد خرج من البشرية!

أو كُتب عليه أن يكون معصومًا ليبقى مقبولًا!

فإذا غضب، قيل: “أين خُلُق الإسلام؟”

وإذا تعب، قيل: “أين صبر المتدينين؟”

وإذا اجتهد في النصح، قالوا: “من نصبك علينا وصيًا؟”

إنها معادلة مؤلمة، تكشف خللًا في ميزان التلقي، ومرضًا في نوايا النفوس، فصار الدين يُراقَب لا يُتّبع، والمُصلح يُشكّك فيه لا يُعان، ومن أراد أن يلتزم صار يخشى أن يُبتلى بوصاية المتابعين لا برحمة رب العالمين.

📌 لماذا لا ننصح العاصي؟

في المقابل، ترى نفس العيون تُغضّ الطرف عن العاصي، وربما يُصفَّق له لأنه “صادق”، أو “عفوي”، أو “ما بيضحكش على حد”.

تُغفر له السقطات لأنه لا يزعم التديُّن، وتُبرر له المعاصي لأنه “ما قالش أنا ملاك”.

> أليس كلاهما بشر؟

أليس الخطأ من الملتزم والعاصي سواء؟

فلماذا يُدان الأول ويُستر الثاني؟

وأين ذهبت الموعظة الحسنة التي أمرنا بها الله تعالى.

قال تعالى:

> “ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ، كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ”

[فصّلت: 34]

فالله أمرنا أن نُواجه الإساءة بالإحسان، لا أن نُقابل الاستقامة بالتفتيش، والعصيان بالتجاهل، والستر بالفضيحة.

🕊️ ماذا لو بدلنا أسلوبنا؟

تخيّلوا لو أن طاقة السخرية من الملتزمين تحولت إلى دعاءٍ لهم بالتثبيت؟

وتخيّلوا لو أن العاصي وجد فينا يدًا تمتد له برفق لا بعنف، وبلسانٍ حكيم لا بفضح؟

كم من عاصٍ اليوم لا يمنعه من العودة إلى الله إلا خوفه من نظرة المجتمع، لا من الله!

وكم من ملتزمٍ يفكّر في التراجع لأنه لم يجد من يأخذ بيده إذا تعثر، بل من يضحك على عثرته!

💡 خلاصة حكيمة:

الملتزم ليس نبيًّا، والعاصي ليس شيطانًا.