
” هند و قلبها يتكلم “
(الستارة ترفع ببطء.
هند واقفة في منتصف الخشبة ، صمت مطبق.
هناك موسيقى خافتة جداً كأنها صوت نبضات قلبها
تبدأ بالكلام بخفة ، وكأنها تهمس للهواء نفس)
هند : هل سمعتم يوماً تراتيل القلب؟
لا ، لا ، لا أقصد الضحك أو البكاء
ولا حتى صرخة الحب.
أقصد ما لا يراه أحد ، ما لا يسمعه أحد
ما يبقى مختبئاً خلف كل كلمة تُقال
وراء كل صمت يُحمل على أكتاف العالم
( تتحرك ببطء على خشبة المسرح
كل خطوة تصنع صدى خافتاً )
هند : أنتم تمشون و تتحدثون وتعيشون
وأنا ؟ أنا أستمع . أستمع لكل نبضة ولكل خفقة
لكل شريان ينبض بالحياة ، حتى وإن لم تشعروا بها
هل هذا جنون ؟ ربما .
لكن أليس الجنون أصدق طريقة لنكون أحياء ؟
( تلمس وجهها بيدها ، كأنها تحاول لمس شيء غير مرئي )
هند : كل شعور يمر بي له وزن وله لون و له رائحة
الفرح ليس مجرد ضحكة
بل هو ضوء يلمس روحي ثم يختفي
والحزن ، آه ، الحزن! ليس دموعاً فقط
بل هو فلسفة قائمة بذاتها
درس لا يفهمه سوى من عاشه
لماذا كل البشر يهربون من الألم ؟
ألمُهم ، إن استمعوا له ، يمكن أن يكون أعظم موسيقاهم
(تجلس على حافة خشبة المسرح ، تنظر إلى الأرض
ثم ترفع عينيها نحو الضوء)
هند : الحب و الفقد والألم ، أراهم في وجوهكم
في حركاتكم و في ضحكاتكم التي تخفي البكاء
كل دمعة لم تُبك و كل ابتسامة زائفة ، كل هذا يهمس لي
يروي لي قصصكم التي لن تُحكى
وأنا هنا أستمع
(تنهض فجأة ، يزداد الضوء حولها
وتتحرك بسرعة على الخشبة )
هند : الحياة ليست أحداثاً فقط ، إنها نغمة مستمرة
أحياناً متناغمة وأحياناً مزعجة ، لكنها دائماً صادقة
وأنا ، أنا مجرد مستمعة
ألتقط هذه النغمات ، أعيد ترتيبها
أبحث عن معنى ، أبحث عن ‘ أنا ‘.
(تغلق عينيها ، تبتسم ابتسامة رقيقة ،
كما لو أن العالم كله أصبح صامتاً
وأن قلبها هو الوحيد الذي يتكلم)
هند : وربما ، في النهاية ، كل ما نحتاجه هو هذا :
أن نستمع إلى تراتيلنا الخاصة ، حتى لو لم يسمعها أحد
فهي ستظل نغمة الحياة الحقيقية ، أكثر صدقاً من أي كلام
وأكثر وضوحاً من أي صورة
( الموسيقى خافتة، أشبه بصوت نبضات قلبها الداخلية
تبدأ الحركة المسرحية الرمزية )
هند : كنت أظن أن الحياة مجرد أحداث
ولكنها ليست كذلك
الحياة ، هي كل ما يحدث بين اللحظة التي نولد فيها
وبين اللحظة التي نتوقف فيها عن الاستماع
هل سمعتم ؟ هل شعرتم ؟ كل شيء حولنا صامت
لكنه يصرخ بصوت أعمق من أي صراخ
(تبدأ بالمشي ببطء ، خطواتها تصنع صدى خافتاً ، الضوء يتحرك معها)
هند : الحب
لم أفهمه في البداية ، ظننت أنه كلمات جميلة
لمسات ، ضحكات ، ولكن الحب الحقيقي
هو أن ترى الآخرين كما هم و بلا أقنعة و بلا تمثيل
أن تسمع صدى أرواحهم ، أن تعيش مع كل نبضة في قلبهم حتى لو كان قلبك محملاً بالألم نفسه
(تقف فجأة ، ترفع يديها ، الضوء يتركز عليها )
هند : الخسارة
آه ، الخسارة! لم أدرك قيمتها
إلا بعد أن فقدت ما ظننت أنه جزء مني
كل شيء نخسره ، كل حب وكل صديق وكل حلم
يصبح نغمة جديدة في سيمفونية القلب
لا تضيعوا شيئاً حتى الألم له قيمته
حتى الصمت له معناه
(تجلس على الأرض ، تزحف ببطء كأنها تغوص داخل نفسها الضوء يتفرق حولها)
هند : والانتماء
أبحث عن الانتماء. ليس مجرد مكان ، أو مجموعة ، أو وطن بل الانتماء إلى النفس ، إلى الإنسانية ، إلى كل نبضة تذكرني أنني جزء من شيء أكبر شيء خالد ، شيء حي
شيء يسمع تراتيل قلبي كما أسمع تراتيل قلوب الآخرين
(تنهض فجأة ، تدور حول خشبة المسرح
الحركة متسارعة ، الضوء يتبعها
الظلال تتحرك على الجدران ، الصوت يرتفع كأنه صدى داخلي)
هند : كل ما نراه وكل ما نلمسه و كل ما نفقده
ليس مجرد حدث. إنها تراتيل. تراتيل القلب.
كل دمعة و كل ابتسامة وكل نظرة
كل شيء هو سيمفونية الحياة.
ونحن
نحن جميعاً عازفون فيها ، حتى وإن لم نعرف ذلك
(تجلس على الأرض مرة أخرى ، تقرب يديها من صدرها
كأنها تحضن العالم بداخله.
الضوء ينخفض تدريجياً ، الموسيقى تخفت شيئاً فشيئاً ، ويبقى صمت المسرح حاضراً)
هند : أغمض عيني أستمع أعيش وأدرك
أن كل قلب هو ترنيمة
وأن كل حياة هي سيمفونية لا تنتهي
(الستارة تُسدل ببطء.
صمت طويل
يسكن القاعة
وكأن الجمهور لا يزال يسمع صدى تراتيل قلب هند في داخله)
طارق غريب
جريدة الوطن الاكبر الوطن الاكبر ::: نبض واحد من المحيط الى الخليج .. اخبارية — سياسية – اقتصادية – ثقافية – شاملة… نبض واحد من المحيط الى الخليج 