أخبار عاجلة

هل نقول فلسفة الدين، أم الدين الفلسفي.اشكاليات المصطلح الفلسفي.

مقال بعنوان: هل نقول فلسفة الدين، أم الدين الفلسفي.اشكاليات المصطلح الفلسفي.
بقلم اد. عادل القليعي أستاذ الفلسفة الإسلامية بآداب حلوان.
غرضنا من هذا المقال إعمال العقول التي أمرنا الله تعالي باعمالها اعتبارا لا اعتباطا فهي منحة من الله تعالي وهبة إلهية (فاعتبروا يا أولي الألباب، فلنعمل عقولنا ونزن بالقسطاس المستقيم، ونضع الأمور في نصابها الحقيقي.
فهيا بنا نحلق مغردين في عالم المعقول، منطلقين منه إلي عالم اللامعقول عالم المجردات، لأن طبيعة العقل البحاث تدفعه دفعا إلي الخوض في عالم الأسرار، لاكتشافه أو حتي علي الأقل محاولة معرفة مجاهله.
أيضا غرضنا من هذا المقال حلحلت غموض كثير من المصطلحات التي دوما ما يقف عندها وأمامها الجميع ، المتخصص وغير المتخصص، العامي، والمثقف، العالم، والدارس والمحب للفلسفة.
الكل يحاول أن يجتهد قدر طاقته أن يجد ضآلته المنشودة بعد أن أعياه التفكير.
حقا كثيرة هي المصطلحات الفلسفية مستغلقة الفهم والتي تركها لنا الفلاسفة مبهمة تحتاج إلي تحليل دقيق حتي يتسني للجميع إدراك فحواها ومفاهيمها ودلالاتها، ومن هذه المصطلحات، ما ذكره الكندي فيلسوف العرب،تأييس الأيس عن الليس. مصطلح مبهم غامض يحتاج إلي العودة إلي النص ذاته الذي ورد فيه هذا المصطلح ويحتاج أيضا إلي العودة إلي معاجم اللغة، ومعاجم المصطلحات الفلسفية، لكن من له طاقة وقدرة البحث، الإجابة علي الفور المحب العاشق البحاث المنقب وغيره، لا يمكن بحال من الأحوال أن يصل فليس كل الناس عشاق للفلسفة وقد يصاب باليأس والملل، هل نترك هؤلاء هملا، لا وألف لا، فواجبنا وميثاقنا الأخلاقي تجاه محبوبتنا (الفلسفة)، يقتضي تبسيطها ونشرها للجميع، لماذا لأننا نخاطب عقول، والعقول أعدل الأشياء قسمة بين الناس.
فنقول تأييس الأيس عن الليس، إيجاد الشيئ من اللاشيء، أي الخلق من العدم، فهل هناك من يخلق من العدم إلا الله وحده لا شريك له.
وكذلك من المصطلحات المبهمة أيضا ما ذكره كانط عندما قال بالمعرفة القبلية، والمعرفة البعدية، فالمعرفة القبلية، أي المعرفة الفطرية، أما المعرفة البعدية فهي المعرفة المكتسبة التي تأتي بالتعلم والدرس، وكذلك مصطلح الترانستندال، أي المتعالي، أي الله تعالي، الموناد كما ذكره ليبنتيز، وهو القوة الفعالة التي تسري في الكون، وغيرها من المصطلحات التي تحتاج إلى جهد في فك مستغلقها.
سؤالنا المطروح للمناقشة هل نقول فلسفة الدين، أم الدين الفلسفي، وأيهما أسبق الفلسفة أم الدين؟!!!
هيا نطرح السؤال علي صنوف الناس، هيا نطرحه علي الإنسان البسيط أي نطرحه علي العوام ولا أحد يتعجب من ذلك فقد تكون معارف العوام أقوي وأدق من معارف الخواص وخواص الخواص.
نجد الإنسان العامي عندما نجابهه بهذا السؤال وبحميته وحماسه للدين يقول لا تقحم الدين في مثل هذه الأمور لأن الدين من عند الله تعالي ومن باب أولي ضرورة التوقف، أو قد يرد عليك قائلا لا أعلم، ولا أعلم هذه تفلسف، لأن اللاعلم بالأشياء يقودك إلي محاولة معرفتها والبحث عن حقيقتها وعللها وكنهها.
وإذا طرحنا هذا السؤال علي الإنسان المثقف الذي من ضمن اهتماماته الفلسفة، قد يقول الدين يسبق الفلسفة في الوجود، أرد عليه بسؤال هل الإنسان وجد أولا أم الدين، وعندما أقول الإنسان هذا يعني عندي العقل الإنساني، هل العقل وجد أولا أم الدين، بالبداهة المنطقية العقل والإنسان وجد قبل وجد الأديان، إذن الفلسفة تسبق الدين، لماذا لأن العقل الإنساني هو الذي يناقش قضايا الدين متي وجدت، فالفلسفة تسبق الدين.
أما بسؤالنا له عن المصطلحين الدين الفلسفي وفلسفة الدين، فبالبداهة العقلي من خلال رده علي الأولي سنستنتج رده علي الثانية.
وإذا عرضنا السؤال علي علماء الدين، ماذا سيكون ردهم؟!!!!
أعتقد أن ردهم سيكون كالآتي، الكتب المقدسة ليست كتب فلسفية، وأنما تكون في المعاملات، والعيادات والطاعات، وعلينا التسليم بها تسليما دون مناقشتها لأن منهجنا منهجا تسليميا، نرد عليهم بمنهج العقل والنقل أيضاً، أما العقل أليست هذه النصوص وما تضمنته من أحكام وضوابط وقواعد مقومة للأديان وقد تكون هذه النصوص عصية الفهم فتحتاج إلي شرحها وتوضيحها فمثلا (خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث)، أليس هذا النص القرآني مستغلق الفهم يحتاج إلي إفهام.
كذلك (يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء)،أليست هذه الآية تحتاج إلي تفسير، ودليلي علي ذلك قيام التفاسير الكثيرة والمتعددة، هذا عقلا.
أما النقل فكثيرة هي آيات القرآن الكريم التي تحثنا علي إعمال العقل للفهم والاستبصار، فاعتبروا يا أولي الألباب، فاعتبروا يا أولي الأبصار، أفلا يعقلون، أفلا تعقلون، قل أنظروا ماذا في السموات والأرض، أفلا ينظرون إلي الإبل كيف خلقت، أليس النظر هنا المقصود به التأمل والتفكير والبحث عن العلة الأولي التي نشأ عنها هذا الكون، أليس ذلك مدعاة إلي رفض فكرة الإتفاق والمصادفة، وأن الله تعالي يخلق الاشياء بقدر معلوم.
إذن يا علماء الدين بعد هذه المناقشة، نقول الدين الفلسفي أم فلسفة الدين.
وإذا وجهنا سؤالنا إلي الخواص، أقصد البرهانيون، الفلاسفة ستجد ردودا كثيرة ذكرها المتكلمون، والفلاسفة فلاسفة الإسلام المشارقة والمغاربة، وفلاسفة المسيحية ومن قبلهم اليهودية، وفلاسفة العصر الحديث، وقد يجمع الجميع علي أن الكتب السماوية ليست كتب فلسفية، لكن من الممكن استنباط النظرية الفلسفية منها، كنظرية تطور خلق الإنسان، أقصد مراتب خلق الإنسان ولا أقصد نظرية النشوء والارتقاء الداروينية.، ماء مهين، ثم نطفة، ثم مضغة، ثم علقة، ثم عظاما، ثم لحما.
أو كالنظرية الذرية التي أثبت العلم الحديث انشطارها وتفتتها، أليست موحودة في القرآن الكريم، وأيضا علم الفلك، فلا أقسم بمواقع النجوم، والقمر، كلا والقمر، والكواكب والافلاك السيارة، أليست هذه نظريات مستنبطة من القرآن الكريم، قس علي ذلك في اليهودية والمسيحية ودعوتهما للأخلاق في فكرتي الوعد والوعيد عند اليهودية، والسعادة في مملكة الله عند المسيحية.أليست هذه نظرية أخلاقية استقاها الفلاسفة من الكتب المقدسة.
قس علي ذلك أيضاً ما يدرس في أقسام الفلسفة من مقررات فلسفة الدين وما يتعلق بها من موضوعات فيزيقية ننطلق منها إلي عالم الميتافيزيقا،كدراسة العالم الطبيعي الذي يقودنا بدوره إلي البحث عن منشأه وطبيعته وصفاته وعلاقته بالعالم والإنسان، أليس ذلك مبحثا من مباحث الفلسفة مبحث الانطولوجيا، أو مبحث الوجود والوجود هنا يعني عالم ما فوق فلك القمر وعالم ما تحت فلك القمر، أي العالم الميتافيزيقي والعالم الفيزيقي.
إذن أعتقد ستكون الإجابة علي سؤالي فلسفة الدين وليس الدين الفلسفي وكذلك أسبقية التفلسف علي وجود الأديان.
أما إذا عرضنا الأمر علي خواص الخواص أصحاب الأحوال والمقامات فلن تعنيهم الإجابة في شيئ سواء دين فلسفي أو فلسفة دين لأن دينهم هو المحبة والوداد سواء تفلسفوا أم لم يتفلسفوا فدينهم في فلسفتهم وفلسفتهم في دينهم، في أحوالهم ومقاماتهم ومفارقاتهم، حتي وإن ظهر تيار من التصوف العقلي عند السهروردى وابن سبعين والجيلاني وابن عربي، لكن حقيقة الأمر عندهم هم قوم اخلصوا لله فخلصهم الله من أوهام المحدثات واختارهم خداما.
أما رأينا في هذا المشكل الاصطلاحي، فأري ومن خلال قراءاتي المتعددة في كل صنوف الفلسفات، سواء القديمة، أو اليونانية، أو الوسيطة، أو الحديثة والمعاصرة، أو انشغالي بالتصوف ومحبته، وكذلك علم الكلام.
فأري أنها فلسفة الدين وليس الدين الفلسفي، لماذا لأننا عندما نقول فلسفة الدين،ند نطلق العنان للعقل يحلق في فضاء رحب ينطلق منها إلي المعرفة، المعرفة العظمي، معرفة مكون الأكوان جميعها ومدبرها الله تعالي، وحتي إذا عجزت عقولنا عن الإدراك فادراكنا في عجزنا وعجزنا في إدراكنا فذاك في ذاك فقف أيها العقل عند منتهاك، تحليق دونما إفراط أو تفريط.
أما عندما نقول الدين الفلسفي فلا يجوز بحال من الأحوال، لأننا سنجعل الثوابت محل للقيل والقال ومحل لعبث العابثين وتنطع المتنطعين، فليس الكل يمتلك ملكات التأويل وسيكون النص القرآني مستباح وسيفقد خصوصيته وسيفقد رونقه وبريقه.

شاهد أيضاً

أهل القرآن من أهل الله

أهل القرآن من أهل الله بقلم/هاني محمد علي عبد اللطيف فأهل القرآن من أهل الله …