بقلم/أيمن بحر
الصمت تلك اللغة التى لا تدرس فى المدارس ولا تُكتب فى القواميس ولا تُترجمها الحروف ومع ذلك يفهمها الجميع بشكل مختلف..
إنّه سلاح غامض قد يُطلق شرارة الحرب أو يُخمد نيرانها..
تارة يكون درعًا منيعًا يحمى صاحبه وتارة يكون قيدًا يكبّل صوته..
فهل الصمت قوّة؟
أم هو ضعف متوارٍ خلف ستار الوقار؟
فى وجه الغضب يُقال إن الصامت حكيم يمتلك زمام نفسه يختار أن لا يُنزل كلماته إلى ساحة المعركه لأنّه يدرك أن بعض المعارك تُخاض بالفكر لا باللسان..
فى هذه الحالة الصمت قُوّة بل نوع من الإنتصار الصامت فليس كل من صاح أو زمجر كان قويّا وليس كل من سكت كان عاجزًا..
أحيانًا لا ينطق الإنسان لأنه فوق مستوى ما يُقال لا تحقيرًا لأحد بل حفاظا على وقاره..
غير أنّ الصمت ليس دائمًا بطولة حين يصمت المرء عن الحق خوفًا أو عن الظلم جبنا فإن صمته يصبح شكلًا من أشكال الخيانة لنفسه وللحق..
وهنا يتحوّل الصمت إلى ضعف وربما إلى ذل فالصوت أمانة وإنكار الباطل حتى بأضعف الإيمان لا يكون بالصمت المتخاذل بل بالسكوت الحكيم الذى يتبعه فعل..
ولعل أبلغ أنواع الصمت ذاك الذى نحمله فى أعماقنا حين لا نجد من يفهمنا أو حين نرهق من الشرح فنلوذ إلى الداخل نحاور أنفسنا بصمت ونشكو إلى الله ما فى قلوبنا من همّ وهمس..إن هذا الصمت الداخلى ليس هروبا بل هو لحظة نقاء نرتّب فيها أفكارنا ونعيد فيها ترتيب قلوبنا ونكتشف فيها أننا نملك من القوّة ما يكفي لنتجاوز دون ضجيج..
الصمت فى بعض الأحيان لا يعنى اللامبالاة بل يعنى أن صاحبه رأى كثيرا وفهم كثيرا فلم يعد بحاجة للكلام..
وهناك من يصمت لأنه يعرف أن لا فائدة تُرجى من الحديث أو لأنّه أدرك أن الزمن وحده كفيل بالرد وأن الصبر أبلغ من كل احتجاج..
علينا أن نتعلّم فن الصمت لا بوصفه انسحابًا بل وعيًا..
وأن نحسن التمييز متى يكون الصمت حكمة ومتى يكون خذلانًا؟
متى يكون احترامًا للذات ومتى يكون خيانة للحق؟
فالصمت فى جوهره ليس غياب الكلام بل حضور المعنى دون ضوضاء…..