كتبت:منى العساسي
تم النشر بواسطة: عمرو مصباح
يمثل الوقع المسالم أحد أرقى أنماط التأثير الإنساني، إذ يقوم على الاتزان الداخلي واستقرار البنية الشعورية، ويعكس قدرة الفرد على توجيه الواقع بوعي منضبط لا يحتاج إلى استعراض أو صخب. فهو تجسيد لفكرة القوة الصامتة التي تُحدث أثرها عبر التناغم، وتستمد فاعليتها من صفاء الوعي واتساقه مع ما حوله.
تقوم فلسفة هذا الحضور الهادئ على مبدأ الانسجام، إذ تُعد الفاعلية ثمرة للتوافق بين الإنسان ومجرى الحياة. ففي الفكر الطاوي، يعبر مفهوم وو وي عن الفعل الذي يتحقق من دون مقاومة، حين يتصرف الفرد وفق طبيعته الداخلية فينشأ الأثر من الاتساق. وفي البوذية، يُعد الوعي الهادئ شرطًا لكل فعل حكيم، لأن السيطرة على الذات تسبق كل إنجاز منضبط، فيتحول السكون إلى أداة للفعل، وشكل من أشكال الحكمة العملية.
يجد هذا المعنى صداه في علم النفس التحليلي، إذ يرى كارل يونغ أن اكتمال الشخصية يتحقق عندما يتصالح الإنسان مع دوافعه العميقة ويعي ظلال نفسه، فتتحول طاقته النفسية إلى حضور متماسك يُحدث أثره في الآخرين من غير حاجة إلى هيمنة أو جدل. أما فيكتور فرانكل، فيربط التأثير الإنساني بالقدرة على استيعاب معنى يتجاوز المصلحة الشخصية، لأن من يعيش وفق غاية عليا يصبح بطبيعته قوة موجهة في محيطه، قادرة على بث الاتزان في من حولها. تلتقي هذه الرؤى مع ما تشير إليه دراسات الذكاء العاطفي، إذ تؤكد أن القيادة الفعالة تنشأ من الوعي بالمشاعر وتنظيمها، وهو ما يخلق بيئة من الثقة والأمان النفسي تعزز التعاون والتفاهم. فكلما كان الداخل منسجمًا، انعكس ذلك على العلاقات في الخارج اتساقًا وتفاهمًا،فالهدوء الفاعل يعبر عن نضج داخلي يوازن بين الفكر والتجربة، فيتحول الوعي إلى طاقة منظمة توجه الفعل بصفاء واتزان. من هذا المقام تنشأ قدرة الإنسان على التأثير ويصبح حضوره مصدر استقرار وإلهام لمن حوله، وتجسيدًا لفعل إنساني راقي يحفظ التوازن وسط ضجيج العالم.