مقاصد دراسة السيرة النبوية الشريفة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين حق قدره ومقداره العظيم أما بعد من مقاصد دراسة السيرة النبوية الشريفة هو إستخراج الدروس والفوائد والأحكام من أحداثها ومواقفها ليستفيد المسلم منها في واقع حياته، فيستقيم سلوكه وتحسن أخلاقه، وتعلو همته ويسمو تعامله ويحصل له التأسي والإقتداء بالنبي المصطفي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، ومن المعلوم أن نبينا المصطفي صلى الله عليه وسلم بلغ في خلق الجود والكرم والبذل والعطاء مبلغا لم يبلغه غيره.
فكان كرمه كرما بلا حدود، يعطي عطاء من لا يخاف الفقر، ولا يرد سائلا، فعن أنس بن مالك رضي الله ” أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه غنما بين جبلين، فرجع إلى قومه فقال يا قوم أسلموا، فإن محمدا يعطي عطاء لا يخشى الفاقة، أي الفقر” رواه مسلم، وقد أكدت أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها تحليه وإتصافه صلى الله عليه وسلم بهذا الخلق قبل بعثته بقولها ” والله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف” رواه البخاري، وكلها صفات تحمل في طيّاتها معاني الكرم والجود، والبذل والعطاء، وكان الصحابة رضوان الله عليهم أجود الناس بعد نبيهم المصطفي صلى الله عليه وسلم، لأنهم تعلموا وتربوا على يديه وإقتدوا به، ومن مواقف السيرة النبوية الشريفة التي بينت أن الصحابة رضوان الله عليهم.
إشتروا الآخرة بالدنيا، وتاجروا مع الله تعالي تجارة رابحة، موقف النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي الدحداح رضي الله عنه، وأبو الدحداح رضي الله عنه هو صحابي جليل، إسمه ثابت بن الدحداح بن نعيم، ويكنّى أبا الدحداح وأبا الدحداحة، وقد شهد أحدا، فلما رأى إنكشاف المسلمين، وسمع منادي المشركين يدّعي قتل النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم، قال “يا معشر الأنصار إن كان محمد قتل، فإن الله حي لا يموت، فقاتلوا عن دينكم” وأما موقفه في إنفاقه لله عز وجل وتصدقه بحديقته وما فيها من نخل وخير كثير، فيخبرنا عنه أنس بن مالك رضي الله عنه، قال إن رجلا قال “يا رسول الله إن لفلان نخلة، وأنا أقيم حائطي بها، فأمره أن يعطيني، حتى أُقيم حائطي بها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أعطها إياه بنخلة في الجنة، فأبى، فاتاه أبو الدحداح فقال بعني نخلتك بحائطي.
ففعل، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني قد إبتعت النخلة بحائطي، قال فاجعلها له، فقد أعطيتكها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” كم من عذق، أي غصن من النخلة، ردّاح أي ثقيل، لأبي الدحداح في الجنة، قالها مرارا، قال فأتى امرأته فقال يا أم الدحداح، أخرجي من الحائط، أي البستان، فإني قد بعته بنخلة في الجنة، فقالت ربح البيع، أو كلمة تشبهها ” رواه أحمد، وروي عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال ” كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة أبي الدحداح، فلما صلى عليها، أتي بفرس فركبه، ونحن نسعى خلفه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” كم من عذق مدلي لأبي الدحداح في الجنة ” وقال الإمام النووي “العذق هنا بكسر العين المهملة وهو الغصن من النخلة، وأما العذق بفتحها فهو النخلة بكمالها، وليس مرادا هنا.