بقلم / د. لبنى شعبان – مدرس علم نفس الطفل- كلية التربية للطفولة المبكرة- جامعة مطروح
إن العنصر البشري هو أغلى ما تمتلكه الأمم والشعوب، حيث أن التقدم والتطور والتحديث لا يكون إلا بمجهودهم وسواعدهم، وحتى لو كان بعض أفراد العنصر البشري يعانون من بعض الإعاقات والأمراض إلا أن هؤلاء الأفراد من الفئات الخاصة لهم قدرات وإمكانيات خاصة تمكنهم من اكتساب مهارات أكاديمية تؤهلهم للعمل في الوظائف غير الاعتمادية كما يمكنهم التدريب على بعض الإعمال والمهارات التي تساعدهم على الاستقلال الاقتصادي المحدود، ولقد أكد الدراسات والبحوث على أن عملية التأهيل المهني للأشخاص ذوي الإعاقة ضرورة ملحة واستكمالا أساسيا لعمليات التعليم والتدريب التي تلقوها فيما ًسبق، ليكتسبوا المهارات التدريبية اللازمة لحصولهم على فرص عمل ونجاحهم فيها، وتبدأ هذه العملية بتقييم قدرات الشخص المعاق لتحديد جوانب القوة والضعف واستثمار القدرات المتوفرة لديه في عملية التدريب، وبالتالي توجيهه نحو المهنة التي تناسب قدراته ومؤهلاته وميوله، وتعتمد عملية التأهيل المهني في مراحلها التدريبية على تفريد التدريب الذي يتم من خلاله مراعاة قدرات المعاق، وما لديه من خصائص وسمات شخصية، حيث توضع الأهداف التدريبية بما ينسجم مع هذه القدرات
الشخص المعاق لا يستطيع ممارسة الحياة العادية بمفرده قياسا بأبناء سنه وجنسه في الإطار المجتمعي والثقافي الذي يعيش فيه ،ولكنهم مؤهلون للمشاركة في الحياة، كمواطن له حقوق وواجبات، حتى يتعاملون مع الواقع بطرق تكيفية وتوافقية تساعدهم على العيش بفاعلية في الحياة ،مما يستدعي تقديم خدمات خاصة تسمح بتنمية قدراتهم إلى أقصى حد ممكن وتساعدهم على الاندماج في المجتمع، لذا فلابد لهؤلاء الأفراد المعاقين من أداه للمساعدة اما أن تكون هذه الأداة شخصا آخر سليما، أو جهازا تعويضيا، أو لغة مساعدة كلغة الإشارة، وذلك حسب نوع كل إعاقة ، .
ويعتبر ذوي الإعاقة الفكرية – القابلين للتعلم – طاقة يمكن الاستفادة منها في تنمية المجتمع إذا تم تنمية بعض المهارات لديهم بطرق مناسبة وفعالة، تساعدهم في تحسين قدراتهم، وتنميتها، ومعرفة طبيعة أبعاد البيئة المحيطة بهم، والتي يمارسون من خلالها دورهم في الحياة، والتي تجعلهم يتأثرون بها ويؤثرون فيها، ومن ثم تزيد ثقتهم بأنفسهم في فهم ما يحيط بهم من متغيرات وتحديات في هذا العالم المتغير.
ومن هنا تنادي التربية الحديثة والفلسفات الاجتماعية والسياسية التي تعيشها المجتمعات بحق كل فرد في الانتفاع بالخدمات، والبرامج التي تساعده على النمو، والوصول إلى أقصى مدى تؤهله له قدراته وإمكاناته. والمعاقون عمومًا، والمعاقون فكريا على وجه الخصوص لهم قدرات محدودة، بالإضافة إلى بعض المشكلات النفسية والاجتماعية والأخلاقية والتربوية المترتبة على إعاقتهم الفكرية، وكيفية مواجهتها، مما يزيد من حدة هذه المشكلات، وانتشار أنماط وأساليب من السلوك غير العادي والانحراف الخلقي، الذي لا ينعكس عليهم وحدهم، بل يمتد إلى المتعاملين معهم من المربين والآباء والأقران، مما يحتم ضرورة التدخل لوضع برامج تدريبية وتربوية خاصة تهتم بتنمية الجانب الخلقي، وتساعد أيضًا على التنمية المهنية في حدود القدرات المحدودة التي تسببها الإعاقة الفكرية.
ويواجه الأشخاص المعاقين فكريا تحديات تعوقهم أن يحيوا حياة كريمة وتؤثر على ثقتهم بأنفسهم وتقديرهم لذواتهم، ومن أهم هذه التحديات فرص العمل المحدودة أو المعدومة تقريبا للحصول على عمل، بالإضافة إلى تزايد القيود الوظيفية التي تؤخر انتقالهم إلى واقع العمل والحياة بشكل عام، فإن من أهم المشكلات التي يعاني منها الأشخاص المعاقون فكريا عدم قدرتهم على الالتحاق بوظيفة تيسر لهم الحياة حتى لا يكونوا عالة على ذويهم، فضلا عن المعاناة الناتجة عن القلق النفسي وقلق المستقبل من قبل ذويهم على مستقبلهم فيما بعد .
وأشارت الدراسات أن العديد من الأشخاص ذوو الإعاقة الفكرية بعد اجتيازهم مرحلة التعليم الأكاديمي سواء كان مرحلة إعدادية أو متوسطة يكون لديهم معرفة قليلة جدا عن مفهوم الذات المهني وصنع القرار الوظيفي والكفاءة الذاتية، كما أنهم يفتقرون إلى المواقف الإيجابية عن العمل، والتي تعد مهمة لنجاح الانتقال من المدرسة إلى مجال العمل، وهناك العديد من الأسباب التي تجعل الأشخاص ذوو الإعاقة الفكرية أكثر عرضة للبطالة عن غيرهم من باقي الإعاقات، من هذه الأسباب نقص الوعي المهني، وأثر المعتقدات الموروثة عن العمل لذوي الإعاقة، وعدم وجود محاولات مبكرة لاكتشاف طبيعة العمل المناسبة لهذه الفئة، وقلة التمويل المادي لدعم خدمات التأهيل المهني، وعدم التعاون بين المهنيين في وضع وتنفيذ الخطط الانتقالية بين التعليم والعمل، والفهم غير الواضح لقدرات المعاق فكريا التي تسمح له بالانتقال لسوق العمل بكفاءة مناسبة لقدراته.
و أنه إيمانًا بأن لكل إنسان في المجتمع الحق في أن يتمتع بحقوق المواطنة وأولها الاعتراف به كمواطن له حقوق وعليه واجبات، إن من حق الطفل – كمواطن ذو احتياجات خاصة – أن يلقي من المجتمع المساعدة والتفكير في الأساليب الجديدة والحديثة التي تسهم في إدماجه وتأهيله للانسجام والنمو السوي لجوانب الشخصية الاجتماعية والخلقية، للتفاعل مع المجتمع الذي يعيش فيه، ويكون قوة تنفع ولا تضر، وتساهم في البناء بدلاً من أن يكون عالة على المجتمع، وقد أصبح ذوى الفئات الخاصة في الوقت الحاضر يحتلون مراكز متقدمة في الرياضة والأنشطة المختلفة مما يؤكد احتمال نجاح فكرة تأهيله مهنيا في حدود قدراته، حيث تغيرت نظرة المجتمع لهم للنظرة الإيجابية بدلاً من السلبية.
ومن خلال الاطلاع على الدراسات المختلفة المتعلقة بالموضوع ، ومن خلال آراء المعلمين والمختصين بمجال التربية الخاصة، أمكن اقتراح عددا من المعوقات التي قد تكون سببا في مشكلات تأهيل وتشغيل الطلاب ذوي الإعاقة الفكرية في مصر بصفة عامة، ومحافظة مطروح بصفة خاصة، وهذه النقاط هي:
1- نقص الإمكانيات المادية المخصصة لتأهيل وتشغيل هذه الفئة.
2- عدم وجود بوتوكول تعاون بين الجهات المعنية وأصحاب العمل.
3- عدم تفعيل تشغيل نسبة ال5 % في المؤسسات المهنية بالنسبة للمعاقين فكريا، واقتصار العمل على المعاقين سمعيا وبصريا وحركيا.
4- عدم توافر معلومات كافية لدى اصحاب المصانع والشركات عن المهن المناسبة لذوي الإعاقة الفكرية.
5- عدم تعاون أولياء الأمور مع الجهات المختصة بالتوجيه والارشاد المهني.
التوصيات:
في الختام يمكن استخلاص عددا من التوصيات كالتالي:
1- رفع مستوى برامج التأهيل المهني للمعاقين فكريا.
2- ربط برامج التأهيل المهني للطلاب المعاقين فكريا باحتياجات سوق العمل.
3- تدريب المعلمين والقائمين على التربية الخاصة بالمدارس على التطبيق الصحيح لبرامج التأهيل المهني للطلاب المعاقين فكريا.
4- عمل ملف مهني لكل طالب من ذوي الإعاقة الفكرية يتضمن قدراته وهواياته واهتماماته المهنية للرجوع اليها عند الحاقه بسوق العمل.
5- إجراء دراسات وبحوث ميدانية أخرى في هذا المجال.