مخاطر استباحة المال العام
مقال.. إعداد / محمـــد الدكـــرورى
إن السرقة من المال العام جناية أكبر من السرقة من المال الخاص لأنها جريمة في حق الشعب والمجتمع والأمة، فالمال العام مملوك لجموع الناس، وليس لفرد بعينه، ويأثم المسلمون جميعا إن لم يقوموا بحمايته، فقد حرّم الإسلام كل صور الاعتداء عليه، مثل السرقة، والاختلاس، والغلول، وخيانة الأمانة ونقض العقود والعهود، والتربح من الوظيفة، والإتلاف والإسراف والتبذير، وضياع الأوقات، واستغلال المال العام لأغراض فئوية، والاعتداء على الأموال العامة من أشد المحرمات، ويلزم المعتدي رد ما أتلف، أو رد مثله أو قيمته وإن تقادم عليه الزمن، لأنه نوع من أنواع الغلول.
ولقد ذكر النبى الكريم صلى الله عليه وسلم المبلغ والمقدار الذي تقطع فيه يد السارق، فقال “تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا” فتقطع اليد في ربع دينار فصاعدا، وأجمع المسلمون على وجوب قطع يد السارق في الجملة، والسارق عنصر فاسد في المجتمع، إذا ترك صار فساده في جسم الأمة، فلا بد من حسمه بالحد، تلك اليد الظالمة التي امتدت إلى ما لا يجوز لها الامتداد إليه، الهاتمة الباغية التي تأخذ ولا تعطي لا بد من قطعها، إن السرقة التي عرفها العلماء بقولهم، هى أخذ المال على وجه الاختفاء من مالكه، لها شروط إذا توافرت في السارق والمسروق منه، مثل أن يكون معصوما، ولا شبهة للآخذ منه، وكان المال المأخوذ قد بلغ النصاب، وأخذ من حرز.
ولم تكن هناك مجاعة، وكان الأخذ على وجه الخفية ولذلك المغتصب والمنتهب على عظم الجريمة لا يقطعان، لكن يؤدبان بالتأديب البالغ، إذا توافرت الشروط قطعت يد السارق، فقال ابن القيم رحمه الله “إنما قطع السارق دون المنتهب والمغتصب لأنه لا يمكن التحرز منه” والغاصب يمكن أن تخفي مالك عنه، وكذلك المنتهب الذي يأخذه عيانا “أما السارق فإنه ينقب الدور، ويهتك الحرز، ويكسر القفل، فلو لم يشرع قطعه لسرق الناس بعضهم بعضا، وعظم الضرر، واشتدت المحنة، ولكن المنتهب والمغتصب يُكف عدوانهم بالضرب والنكال، والسجن الطويل، والعقوبة الرادعة كما ذكر العلماء، فإذا كان المسروق مالا محترما ليس محرما كآلة اللهو والخمر.
والخنزير والميتة، وكذلك المالك محترما ليس كافرا حربيا، فإنه حلال الدم والمال، وكذلك كان المسروق نصابا ثلاثة دراهم إسلامية، أو ربع دينار إسلامي، أو ما يقابلها، فإن اليد تقطع بتوافر الشروط” وتقطع يد السارق في ربع دينار مع أن دية اليد في الشريعة خمسمائة دينار، لأنها لما كانت أمينة كانت ثمينة، لما خانت هانت ولذلك لما اعترض بعض الملاحدة على حد السرقة فقال يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار، والعسجد هو الذهب، ويقول يد ديتها في الشريعة خمسمائة دينار من الذهب تقطع في ربع دينار، فأجابه بعض العلماء، فقال رادا على شبهته في النظم والقافية نفسها قال”عز الأمانة أغلاها” اليد الأمينة ديتها خمسمائة دينار.
عز الأمانة أغلاها وأرخصها ذل الخيانة فافهم حكمة الباري، لما كانت أمينة كانت ثمينة، فلما خانت هانت تقطع، تقطع اليد، وتكلم العلماء رحمهم الله تعالى في الحرز وشروطه، ومعنى المال المحفوظ، وقضية الدكاكين والخزائن والبيوت، وما الذي يكون حرزا مما لا يكون، وانتفاء الشبهة، وقضية درء الحد بالشبهة ولذلك إذا سرق من مال ابنه، أو سرق من مال أبيه، أو سرق من مال زوجته، فهذه شبهات تدرأ الحد، أما سرقة الأقارب من بعضهم تقطع عند جمهور العلماء، إذا سرق من أخيه، من أخته، من عمه، من عمته، من خاله من خالته، من زوج أمه، من زوجته بعد الطلاق والفراق، فهو سارق تقطع يده، وتكلم العلماء في الشهادة، وكيفية إثباتها، وصفة العملية.