محاسبة النفس في الدنيا
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، حق قدره ومقداره العظيم، أما بعد اعلموا يرحمكم الله أن من أسباب الفتور في العبادة هو الغفلة عن محاسبة النفس، فترى أحدنا يسير في هذه الدنيا ولم يجعل على نفسه حسيبا، فتكثر عثراته وتتضاعف زلاته، ولا يعرف ما فعل ولا يدرك ماذا قال، ولا يتراجع عن خطأ، ولا ينشط لفعل طاعة، كل تصرفاته مرتجلة، لا يضع لنفسه أهدافا ولا يسأل نفسه ماذا أنجز في يومه وكم قصّر في حق ربه وكم ضيّع من حقوق عباده، فهل حاولنا أن نخلو بأنفسنا ساعة نحاسبها عما بدر منها؟
من الأقوال والأفعال ؟ وهل حاولنا يوما أن نعد سيئاتنا كما نعد حسناتنا ؟ بل هل تأملنا أن طاعتنا قد لا يخلو بعضها من الرياء والسمعة، كيف القدوم على الله يا عباد الله ونحن لأنفسنا غير محاسبين ولحساب الله غير مطيقين، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ” حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا، فإن أهون عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ” فإن محاسبة النفس أيها الأحبة هي من شأن الصالحين الأتقياء، المخبتين الأنقياء، المنيبين الأصفياء، الذين لبوا نداء الرحمن، ألم تروا إلى الخليفة الراشد أبي بكر الصديق رضي الله عنه كيف كان يمسك بلسانه ويقول ” هذا الذي أوردني الموارد ” ألم تسمعوا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يضرب نفسه بدرته فيقول ماذا فعلت اليوم ؟
وأن الأحنف بن قيس رضي الله عنه كان يضع إصبعه على السراج فيقول لماذا فعلت كذا وكذا يا حنيف ؟ وقال ميمون بن مهران لا يكون العبد تقيا حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه، ولهذا قيل “النفس كالشريك الخوان، إن لم تحاسبه ذهب بمالك” فإن محاسبة النفس في الدنيا كفيلة أن تريحك من عناء الحساب في الآخرة، فإن من نوقش الحساب فقد عذب، أما يكفيك بذلك أن تتعرف على أخطاء نفسك فتصلحها، أما يحثك هذا على الندم على اقتراف الذنب، والإقلاع عن المعصية، أما تشعرك مساءلة نفسك بعفو الله وحلمه عليك أن لم يعجل عقوبته بك، أو يقبضك على ما أنت عليه من المعصية، أما تعطيك مراجعتك أعمالك دفعة قوية للإجتهاد في العبادة وفتح صفحة جديدة ناصعة البياض، هدفك فيها أن تملأها بالطاعة والإحسان ؟
ويقول الحسن البصري إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه وكانت المحاسبة همته، فاللهم صلي على محمد ما ذكره الذاكرون الأبرار وصلي على محمد ما تعاقب الليل والنهار وارض اللهم عن أصحاب محمد من المهاجرين والأنصار، اللهم ورحمنا معهم بمنك وكرمك وعفوك يا عزيز يا غفار، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك ربنا من النار وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم كما جمعتنا على هذا الخير والكلام الطيب اجمعنا برحتك في ظلال العرش يا ذا الجلال والإكرام اللهم وفق إمامنا بتوفيقك وأيده بتأييدك اللهم وفقه لهداك وجعل عمله في رضاك، اللهم وادرأ عن أمة الإسلام غوائل الفتن وطوارق المحن وقها اللهم شر الكفار وكيد الفجار يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أحفظ المؤمنين في كل مكان وفي سائر البلدان يا رب العالمين.
اللهم انصر دينك وكتابك وأولياءك وعبادك الصالحين وأبرم لهذه الأمة أمر رشد يُعز فيه أهل طاعتك ويهدى فيه أهل معصيتك ويأمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.