لغة الصمت

لغة الصمت

غسان يوسف أبو على

خربشات غسان
هاهي الشمس ترتدي ثوب النوم عند حافة البحر في الأفق البعيد تلج مرقدها بسعادة بعد أن مضى يومها وهي تمنح الدفء والحب يحتضنها حبيبها البحر بعيدا بانعكاس ساحر بجماله راسما لوحة حب هي فاتنة كونها بعيدة عن عبثنا نحن البشر لولا بعدها عنا لكنا مزقنا ذلك الجمال .
حب لن نفهمه لأن الغدر طبعنا …النفاق أصبح أهم صفاتنا …والتلاعب بمشاعر سوانا هو غايتنا
تلك لوحة ربانية لعشق نقي منحنا الله جوهره بداخلنا فدمرناه بطعنات حقد وطمع .
جلست أراقب نقاء تلك القلوب حتى غربت وعم الظلام مطلقا العنان لمخيلتي وأحلام اليقظة ربما أجد داخل كياني نورا يقارب ذلك الذي رأيته يغرب أو بالأصح هو كان جزء من كياني ولكنه غاب كما تلك الشمس وأنا أبحث باستماتة علني أجد بعض أشعته .
قطرات ماء رشقني بها لتعيدني إليه :
أين أطلقت خيالك يسرح حدثني لم شرودك يزداد منذ مدة ولا أشعر بحماسك كما في السابق .
كنت مفعما بالنشاط تحمل الكثير من الأحلام المبدعة المتألقة حبا وحياة .
أعرف الكثيرين الذين تمنوا أن يمتلكو أحلامك وسعادتك التي كنت تخطط لمنحها لمن يستحقها .
سعيك منذ سنين شبابك لبناء كل ما يمكنك من أسباب الحب والسعادة لكل من عرفك وخاصة لمن كنت تحلم أن يشاطروك مشوار ودروب هذه الحياة .
أراك اليوم صامتا تجلس لساعات متأملا بنظرة لا أدري أهي نظرة حزن أم نظرة ضياع أو سواهما صمتك يشعرني بألم لم أعرفه من قبل .
رسمت على شفتاي ابتسامة هي أقرب لتكشيرة منها للإبتسام وعدت إلى صمتي برهة وأنا أحاول أن أخرج بعض الحروف التي تعبر مابداخلي :
صديقي المخلص عندما أرى كيف أمواجك بالأفق البعيد تحتضن تلك الشمس الحانية بحب متجدد ملتهب دائما تتوه مني الكلمات وحتى الروح تصبح قطعة جليد لاحرارة فيها أجد أن الصمت هو أفضل تعبير وأعمق معان من كثير من الكلمات الكاذبة التي ننطق بها .
حملت الكثير من الحب داخل روحي التي كانت تنبض بنشاط وتطلق الفرح والضحك لكل من عرفتهم .
وها هي الأحرف والكلمات اليوم تجدها غير قادرة على الخروج من داخلي لأنها تبحث ضمن متاهة لتصل المخرج فهذه الروح التي لم تعرف إلا الحب مزقتها الطعنات الغادرة ممن سعت بكل جهد لتسعدهم لتنشئ متاهة بداخلها من الجراح لن تستطيع أحرفي أن تتجاوزها وتبقى تائها ضمنها.
روح لم تتلقى سوى الغدر والكذب من جميع من أحبت إلا القليل الذين لاقدرة لهم على علاجها .
مزقت بمخالب مخبأة بعناية كنت أراها وأتجاهلها عل من يحملها أخطأ بحملها ويلقي بها بعيدا عندما يرى حجم السعادة التي تمنحها تلك الروح .
على أمل أن يحطمها الحب بداخلي .
لم يبقى مني سوى تلك الضحكتي التي لامعنى لها …تجدني أحدث الجميع بقلب يشبه قطعة الثلج بعد أن كان شعلة لاتخمد ناره … جسد يتحرك بلا نبض …عينان نظراتهما لاتبحث سوى عن قليل من الدمع الذي جف من شدة ألم النفاق والكذب .
الصمت ياصديقي هو اليوم لغتي فجميع الأحرف واللغات لم يعد لها معنى .
صمتي من لديه قليلا من العقل …قليلا من الصدق …من الحب .سيكون له معان أكثر من كلمات النفاق .
له معان أعمق وأوضح ولكن هيهات فأنت عندما تتحدث عن الصدق والحب في يومنا هذا ستكون كمن يبحث عن قطرة مطر سقطت ضمن أمواجك فهل تجدها .
صديقي الغالي الٱ أنا أشبه ورقة الشجر الصفراء في يوم خريفي عاصف تجدها تسقط والرياح تتقاذفها وهي صامتة متحدية فلغة الصمت أشد قوة وعمقا من جميع اللغات .
ستغرب روحي كما هذه الشمس بفارق بسيط تفتقدت من يحتضنها كما تحتضن أنت الشمس بذلك الحب العميق.
غسان محسن يوسف (سورية -طرطوس)