لغة الأندلس
عنوان الجزء: خلافات مفاهيم
الجزء السادس 6
اجتمع المدعوون بمطعم اشبيليا الكبير. للاحتفال بخطوبة روزا وسمير… امتلأت الطاولات بكل أنواع المأكولات الشهية، والمشروبات غالية الثمن…
وبعد الغذاء، وبعد الانتهاء من مراسم تلبيس المحابس، والمباركات للعروسين…جاء قالب الحلوى الكبير وتم قصه من قبل العروسين وتم توزيعه على الحضور.
قدم سمير إلى روزا حجابا وقال هذه هي هديتي المقدسة لك وطلب منها أن ترتديه…
وقفت روزا مستهجنة وقالت: أنا مسيحية، ولن أكون غير مسيحية، وأنت مسلم، ولن أطلب منك أن تغير معتقدك.
أنا لن أكون مسلمة، ولن ارتدي حجابا، الحجاب الذي يفرضه عليً ديني هو حجاب الفكر عن الخطيئة، ونظافة القلب، وطهارة الجسد…
أما الحجاب الإسلامي ربما هو فرض على المسلمات،
أنا وأنت رضعنا الدين مذ خلقنا على هذه الأرض. وسنموت كما خلقتنا امهاتنا كل على دينه… الانسان هو من يتحلى بصفات الإنسان، وهذا طلبنا…
هذه هي لغة الأندلس. وخلعت المحبس من اصبعها وقالت أنا مسيحية، وأولادي أريدهم على ديني، قبلت بهذا الشرط أنا لك، غير ذلك أنا غير موافقة واعتبر ما بيننا قد انتهى…
جاء الأب مسرعاً، وربت على كتف سمير وقال له أنا شخصيا أحييك على تمسكك بدين الله. نحن احببناك لأننا شعرنا بانك انسان محترم. لا يهمني دينك مهما كنت، الذي يهمنا انسانيتك وحسن اخلاقك وتفكيرك…هذه هي لغة الأندلس التي نتداولها…
كل انسان حر باختيار دينه لا يجوز أن تفرض دينك على الآخرين قسرا، لاحقا سيكرهونك ويكرهون دينك…
جاء أجدادك إلى الأندلس وفرضوا الاسلام على أهالينا مدة ثمانمائة سنة قسرا، وفرضوا عليهم الجزية، وعندما استرجعنا بلادنا، عاد من أسلم إلى دين المسيح، وقالوا الحمد لله استرجعنا بلادنا وديننا… وانتم لا تزالون تبكون على خسارة الاندلس..
قالت روزا حسب مفهومي: الحجاب، إذا كان قسريا، هو إهانة لحرية المرأة. وكرامتها، وانسانيتها، أما إذا كان عن قناعة شخصية فذاك أمره مختلف.
أنا أظن الاستعمار في بلادكم هو من يشجع لبس الحجاب، والحجاب السميك، عن طريق أعوانه عندكم حتى يجمد نصف المجتمع، ويجعل الحريم رهن الجدران…
قال الأب: المشكلة تكمن عند بعض رجال الدين المتشددين الذين يفسرون بعض الأمور حسب اجتهاداتهم هم، مثلاً رجال الدين المسيحي يقولون الجنة للمسيحيين، والإسلام يقولون الجنة لمن يتكلم اللغة العربية ولغة أهل الجنة هي العربية، وحتى بعضهم يبالغ ويقول الله يتكلم العربية.من أين لكم مصادر هذا الكلام؟
نحن ندرك بأن لغة الله يفهمها الجميع… والله يفهم صوت الجميع…حتى الأصوات الصامتة. التي تناديه بالروح…
سواء أكان الحجاب مفروضا على الإسلام أم غير مفروض. هذا شأنكم أنتم. أما أن تفرضون دينكم الإسلامي علينا بالقوة، تحت شعار أسلم تسلم، كما فعلتم في بلادنا. وبقية العالم الذي دخلتموه باسم الجهاد في سبيل الله، لا نظن بأن الله أمركم بذلك. ولا نوافقكم رأيكم.
ساد صمت واستغراب من جميع الموجودين، وكانوا ينتظرون ردة فعل سمير…
سمير خلع محبسه وقال الزوجة يجب أن تطيع زوجها بكل الأحوال، غير هذا أنا غير موافق على الاستمرار بالخطوبة…
قالت روزا يا سمير. أنت تعيش في سورية، وسورية تختلف عن اسبانيا، إذا اردت أن تعيش في اسبانيا عليك أن تتعلم لغة الأندلس، إذا رضيت بذلك أهلا بك عريسا، غير ذلك لا مجال للتفاهم بيننا…
لغة الأندلس هي لغة المنطق والروح وجمال الإنسان من الداخل. محبة الآخر وقبوله مهما كان دينه، هذه هي لغتنا…
كل أنسان حر بدينه، الدين هو علاقة روحية بين الخالق وعبده… الدين محبة وتسامح وتعايش مع الآخر مهما كان دينه ألمهم انسانيته. معاملته،أخلاقه…
أن تفرض عليّ دينك بالقوة، سأكرهك وأكره دينك
الدين لله، والوطن للجميع … والله هو وحده الذي سيحاسب بني البشر مهما كان دينهم، يهودي، مسيحي، مسلم، أو أي دين آخر، الله خلق الجميع ولن يميز بينهم، وحتى الوثني الذي لم يصله دين، سيحاسبه الله حسب مفهومه للخير والشر…
لذلك عليك أن تفهم ما قلته لك، هذه هي لغة الأندلس…وعندما تفهم لغتنا أهلا بك بيننا…
تعرق سمير وأخذ يمسح عرقه…
وأخيراُ قال: أكيد ليس هناك إكراه في الدين،
أنا لست مع الدين الذي يفرض بالسيف كما فعل أجدادنا، ولا يزالون يفعلونه، هذا ليس دينا، أنا
تعجبني لغتكم، لغة الأندلس… لغة أساسها محبة الآخر، والتعايش مع الآخر حسب اخلاقه، وإنسانيته وليس دينه.
(احبب الآخرين، كما تحب نفسك)، هذا هو أعظم قوانين جميع الديانات وغاية وجود الأديان في العالم لكل الأديان، إنها لغة بلادكم لغة الأندلس.
أما موضوع الخطوبة سوف اراجع مفاهيمي التي تربيت عليها…
كتب القصة: عبده داود
إلى اللقاء بالجزء السابع
الأجزاء السابقة تجدونها في (مجموعة رواياتي
الوسوملغة الأندلس الجزء السادس مدرسة سادو عبده داود
شاهد أيضاً
السفيرة آمال بكاي وزوجها رجل الأعمال سيد الجارحي ضيفا شرف معرض عمان الدولي للكتاب
من المقرر أن تشارك السفيرة د.آمال بكاي بنت محمد الجزائرية وزوجها رجل الأعمال المصري …