بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله ذي العظمة والكبرياء ذلت لعظمته أنوف العظماء ودانت لجبروته الملوك والرؤساء وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له من نازعه الكبر صيره من الأذلاء ومن تواضع لأجله أنزله منازل السعداء، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله سيد المتواضعين يكره ويبغض الجبابرة المتكبرين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا أما بعد ذكرت كتب الفقه الإسلامي الكثير عن نواقض الوضوء، وقد سئل عن مس النساء هل ينقض الوضوء أم لا؟ فقال الإمام أحمد بن حنبل بأن الصحيح في هذه المسألة قولين، إما الأول وهو عدم النقض مطلقا، وإما القول الثاني وهو النقض إذا كان بشهوة، وأما وجوب الوضوء من مجرد مس المرأة لغير شهوة، فهو أضعف الأقوال.
ولا يعرف هذا القول عن أحد من الصحابة، ولا روى أحد عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه أمر المسلمين أن يتوضؤوا من ذلك، مع أن هذا الأمر غالب لا يكاد يسلم فيه أحد في عموم الأحوال، فإن الرجل لا يزال يناول امرأته شيئا، وتأخذه بيدها وأمثال ذلك مما يكثر إبتلاء الناس به، فلو كان الوضوء من ذلك واجبا، لكان النبي صلي الله عليه وسلم يأمر بذلك مرة بعد مرة، ويشيع ذلك، ولو فعل لنقل ذلك عنه، ولو بأخبار الآحاد، فلما لم ينقل عنه أحد من المسلمين أنه أمر أحدا من المسلمين بشيء من ذلك مع عموم البلوى به علم أن ذلك غير واجب، وأيضا فلو أمرهم بذلك، لكانوا ينقلونه ويأمرون به، ولم ينقل عن أحد من الصحابة أنه أمر بالوضوء من مجرد المس العاري عن شهوة، فإن خطاب الله تعالى في القرآن بذكر اللمس والمس والمباشرة للنساء ونحو ذلك.
لا يتناول ما تجرد عن شهوة أصلا، ولم يتنازع المسلمون في شيء من ذلك، إلا في آية الوضوء، والنزاع فيها متأخر، فيكون ما أجمعوا عليه قاضيا على ما تنازع فيه متأخروهم، وأما طريق الإعتبار، فإن اللمس المجرد لم يعلق الله تعالي به شيئا من الأحكام، ولا جعله موجبا لأمر، ولا منهيا عنه في عبادة، ولا إعتكاف ولا إحرام، ولا صلاة ولا صيام، ولا غير ذلك، ولا جعله ينشر حرمة المصاهرة، ولا يثبت شيئا غير ذلك، بل هذا في الشرع كما لو مس المرأة من وراء ثوبها ونحو ذلك من المس الذي لم يجعله الله سببا لإيجاب شيء ولا تحريم شيء، وإذا كان كذلك كان إيجاب الوضوء بهذا مخالفا للأصول الشرعية المستقرة، مخالفا للمنقول عن الصحابة، وكان قولا لا دليل عليه من كتاب ولا سنة، بل المعلوم من السنة مخالفته، وأما عن حكم سلس البول والدم ونحوه.
فمن لم يمكنه حفظ الطهارة مقدار الصلاة، فانه يتوضأ ويصلي، ولا يضره ما خرج منه في الصلاة، ولا ينتقض وضوءه بذلك باتفاق الأئمة، وأما ما يخرج في الصلاة دائما، فهذا لا ينقض الوضوء بإتفاق العلماء، ومن موجبات الوضوء هو وجود النجاسة على البدن، ولكن كلهم يأمر بإزالة النجاسة ولكن إن كانت، أي النجاسة من الدم أكثر من ربع المحل، فهذه تجب إزالتها عند عامة الأمة، وأيضا وجوب الطهارة من الريح، وأما إيجابه طهارة الحدث، فهو حق، لكن طهارة الحدث ليست أسبابها منحصرة في النجاسات، فإن الصغرى تجب من الريح إجماعا، وكذلك فإن الريح تنقض الوضوء، وقد تنازع الفقهاء في الأمر، هل تنقض الريح لكونها تستصحب جزءا من الغائط، فلا يكون على هذا نوعا آخر؟ أو هي لا تستصحب جزءا من الغائط، بل هي نفسها تنقض، ونقضها متفق عليه بين المسلمين،
وكذلك بخصوص موضوع القراءة للمحدث، فقيل بأن القراءة تجوز مع الحدث الأصغر بالنص وإتفاق الأئمة، وأيضا موضوع مس المحدث لكتب التفسير، بل إتفق المسلمون على جواز مس المحدث لكتب التفسير، وسئل هل يجوز مس المصحف بغير وضوء أم لا؟ فقيل بأن مذهب الأئمة الأربعة أنه لا يمس المصحف إلا طاهر، كما قال في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم ” ألا يمس القرآن إلا طاهر” وقال الإمام أحمد رحمه الله لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم كتبه له وهو أيضا قول سلمان الفارسي وعبدالله بن عمر وغيرهما، ولا يعلم لهما من الص
حابة مخالف.