أخبار عاجلة

لا شرق عندنا ولاغرب، وانما هو الإنسان.

بقلم / عادل خلف.

هذه المقولة من أروع المقولات التي قرأتها وتعمقتها، هذه المقولة ذكرها شيخنا ومفكرنا الجليل الفيلسوف العربي زكي نجيب محمود، رد خلالها علي دعاوي العنصرية التي أطلقها بعض المستشرقين غير المنصفين، أحادي النظرة، الذين يريدون أن يلحقوا كل تقدم حضاري ومدنية وثقافة وآداب وفنون، وعلوم نظرية وعملية، إلي جنسهم الذي أطلقوا عليه الجنس الآري الأوربي المتفتح، وما دونهم من شعوب هي شعوب سامية غير متفتحة ليس لديها القدرة علي الابتكار والإبداع.

هذه النظرة الضيقة من وجهة نظري إن دلت علي شيئ فإنما تدل علي ضيق في آفاق التفكير عند من اعتنقها أو روج إليها من هؤلاء الغربيون الذين حركهم الحقد الدفين علي حضارات الشرق ولا سيما الحضارة الإسلامية التي بلغت من المجد مبلغه خصوصا في القرن الرابع الهجري وازدهار الخلافة العباسية.

لكن أيتها السيدات والسادة لدينا سؤال مهم جدا، هل هناك حقا ما يسمي بالحضارات،الحضارات الشرقية القديمة (الحضارة المصرية،الحضارة الهندية،الحضارة الفارسية،الحضارة الفينيقية،البابلية، الآشورية،الصينية، الحضارة الإسلامية،الحضارية الغربية)، أم أن التقسيم الجغرافي والدراسات الانثربولوجية، ودراسات عادات وتقاليد وأعراف هذه البلدان وثقافات وعلوم هذه الأقطار والأمصار هي التي فرضت علينا هذه المسميات والتقسيمات؟!

الرأي عندي، وهذا رأيي ودلوي أدلي به ولا أفرضه علي أحد،بل يقبل النقاش ويقبل الصواب والخطأ.
سيداتي وسادتي، أري أن هذه التقسيمات تقسيمات ضيزي فرضتها الطبيعة الجغرافية ، فما الذي يميز إنسان الشرق عن إنسان الغرب، ما الذي يتميز به العربي، عن الغربي.

 

بقليل من التفكير ليس ثم تمايز بين الأجناس إلا بالعقل والفهم والاستبصار والإدراك، وكما قال الفيلسوف الفرنسي ديكارت، العقل أعدل الأشياء قسمة بين الناس، ولكن التفاوت بين زيد وعمرو في كيفية توظيف هذا العقل واستخدامه استخداما سليما يرقي ويرتقي بالإنسان بما هو كذلك.

إذن قضيتنا وشغلنا الشاغل هي الإنسان، فأنا وجد الإنسان وجدت الحضارة، ذلك المخلوق الذي حير الجميع، ذلك الكائن الحي المائت الذي يجمع بين المتناقضات الخير والشر، الحسن والقبح، الحب والكره، وتلك هي مقوماته ككيان وجودي.
فليس ثم فرق بين إنسان الشرق وانسان الغرب، وانما الفرق في طريقة التفكير والإبداع.

ومن هذا المنطلق ونحن أبناء القرن الحادي والعشرين حقيق علينا ونحن في عصر الانفتاح الثقافي والفكري وثورة المعلومات وثورة الذكاء الاصطناعي، وثورة الرقمنة، وأن العالم بات قرية صغيرة تعج بالمتغيرات والأفكار التي لابد أن تناقش مناقشة جيدة علي طاولات المؤتمرات العالمية والإقليمية والمحلية، من أجل الخروج بهذا الإنسان الذي يستحق كل الخيرات، الخروج به من واقعه المأزوم، ومحاولة لملمة شتاته وتشتته وتفرقه.

من أجل ذلك لابد من تضافر كل الجهود سواء الجهود السياسية، وتوفير مناخ سياسي ملائم يمارس فيه الإنسان دوره السياسي بمنتهي الحرية دون قيود تقيده، وكذلك الجهود الإقتصادية التي تسعي لتوفير مصدر للدخل يتساوي فيه الجميع عن طريق عدالة التوزيع،ايضا الجهود في المجال الديني عن طريق خطاب توعوي يهدف إلي الرقي بالإنسان ويبتعد به عن التطرف الديني والتطرف الفكري بعيدا عن التشدد والتعصب الأعمى الذي يقود إلي نشر خطاب الكراهية للآخر، ومن ثم يقود إلي الإرهاب الأعمي الذي يهلك الحرث والنسل، وينشر البغضاء والضغينة بين أفراد الوطن الواحد.

ولابد وحتما أن يعلم الجميع أن الفكر،أي فكر لا دين له ولاوطن، نسعي إلي الأفكار وتبادلها أنا كان مصدرها ومن قائلها، نحلل هذه الأفكار ونقوم بغربلتها،فبالحتمية المنطقية ليست كل الأفكار غثة وسيئة، وانما نأخذ ما يتوافق ونقبله ونطرح ما يتعارض معنا ومع قيمنا ومبادئنا.

دونما إساءة إلي الآخر بألفاظ نابية تجعل الآخر ينظر إليك نظرة ازدراء وكراهية، لأن هذا فكره، ناقشه وحاوره، أقنعه أو يقنعك، هكذا تكون المسألة، لكن لأن فكره ليس علي هواك تكيل له الاتهامات وتلصق به التهم والتخوين والكفر.
أما في الجهود الفكرية،فثم اتجاهات ومذاهب كثيرة، وفلسفات مختلفة هدفها الرئيس الإهتمام بالإنسان ككيان انطولوجي،فهناك الإتجاه العلماني، الليبرالي، اليساري، الإشتراكي، الشيوعي، الماركسي، الإسلامي.

كذلك هناك الفكر الفلسفي السياسي، والإسلامي والحديث والمعاصر،ولكل فكر ائمته وفلاسفته،
والقاسم المشترك بين الجميع هو الإهتمام بالإنسان بما هو إنسان،ومن هذا المنطلق لماذا لاتتضافر كل جهود هؤلاء من أجل الارتقاء بالإنسان الذي هو أصل وبناء الحضارة، الإنسان الذي لولا وجوده لما وجد الفكر ولما وجدت حضارة،تتضافر الجهود جميعا من أجل الوصول إلي حلول ترضي جميع الأطراف دونما إفراط أو تفريط.
حقا لاشرق عندنا ولا غرب وانما الإنسان.

شاهد أيضاً

أسطورة الجيش المصري العميد إبراهيم الرفاعي

أسطورة الجيش المصري العميد إبراهيم الرفاعي بقلم/هاني محمد علي عبد اللطيف اسطوره الجيش المصري والصاعقه …