كتبت د/غادة حجاج
الواقع المزيف: كيف يسرقنا الذكاء الاصطناعي من عالمنا الحقيقي؟
في زمن التكنولوجيا المتسارعة، لم يعد خلق الصور يحتاج إلى كاميرا ..بل مجرد أوامر نصية نكتبها لآلة ذكية. ها نحن نجد أنفسنا غارقين في فيض من الصور المذهلة التي ينتجها الذكاء الاصطناعي مناظر طبيعية خلابة، مدن مستقبلية، وحتى وجوه بشرية لا وجود لها. لكن وراء هذا الجمال الاصطناعي، تكمن مشكلة عميقة تهدد علاقتنا بالواقع نفسه.
لماذا لا نشعر بإحساس الصور الاصطناعية؟
عندما ننظر إلى صورة حقيقية، فإننا لا نرى مجرد ألوان وأشكال، بل نستشعر اللحظة التي التقطت فيها. نلمح التعبير العفوي في العيون، نشعر بالريح التي حركت الشعر في تلك اللحظة بالذات. هذه التفاصيل الدقيقة التي تنقلها الصورة الحقيقية هي ما يجعلنا نتواصل عاطفياً معها.
أما الصور المنتجة بالذكاء الاصطناعي، رغم دقتها المذهلة، تفتقر إلى هذه الروح. إنها توليد إحصائي مبني على ملايين الصور السابقة، تفتقر إلى القصد الإنساني والخبرة الحية. كأننا ننظر إلى وهم جميل لكنه فارغ ..خالي من المشاعر والتعبيرات الحقيقيه ، يفتقر إلى الحكاية الإنسانية الحقيقية.
الانعزال الارادي
لماذا نتحمل مشقة السفر عندما يمكننا “زيارة” باريس أو طوكيو بنقرة زر؟ لماذا ندفع ثمن تذكرة طيران عندما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يظهرنا في أي مكان في العالم؟
هذا السؤال يخفي وراءه خطراً كبيراً. فبإمكاننا بسهولة أن نستبدل التجارب الحقيقية بنسخها الرقمية، ونقنع أنفسنا بأن الصور الاصطناعية تكفي. قد نجد أنفسنا تدريجياً نفضل الجلوس في بيوتنا، نستهلك عوالم افتراضية، بينما الحياة الحقيقية تمضي خارج نوافذنا.
الخيال بديلاً عن الواقع
الأخطر من ذلك هو كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل علاقتنا بالخيال. في الماضي، كان الخيال محفزاً للخروج إلى العالم والاستكشاف. اليوم، أصبح الخيال نفسه هو الوجهة…هو الهدف.. لم نعد نحلم بالذهاب إلى أماكن حقيقية، بل أصبحنا “نتنزه” في خيالاتنا فقط.
نحن نخلق لأنفسنا ذكريات مزيفة، ونشارك لحظات لم نعشها حقاً، ونوهم أنفسنا بأننا اختبرناها. هذه الظاهرة تهدد بفصلنا عن تجاربنا الإنسانية الأساسية – تلك التي تتشكل من خلال التفاعل الحقيقي مع العالم والأشخاص من حولنا.
استعادة عالمنا الحقيقي
في خضم هذا الطوفان الرقمي، علينا أن نتذكر أن قيمة الحياة تكمن في التجارب الحقيقية – في دفء الشمس على وجوهنا، في نسمات الهواء البارد، في روائح الأماكن الجديدة، في اللقاءات غير المتوقعة مع الغرباء الذين يصبحون أصدقاء.
الصور الحقيقية التي نلتقطها، رغم عدم كمالها، تظل شهادات على لحظات عشناها حقاً. والسفر الحقيقي، رغم مشقته، يظل وسيلتنا لاكتشاف العالم وأنفسنا على حد سواء.
لنستخدم التكنولوجيا كأداة لإثراء واقعنا، لا كبديل عنه. لنخرج من بيوتنا، نلتقط صوراً حقيقية، نعيش لحظات غير مثالية لكنها حقيقية. لأن الحياة، في النهاية، ليست مجرد صور جميلة نشاركها، بل هي التجارب التي نعيشها بكل حواسنا.