أخبار عاجلة

فسائل غير مغروسة 

فسائل غير مغروسة 
كتب سمير ألحيان إبن الحسين
__ سألني أحدهم:
لماذا نراك تغيب ولا تعلق على كثير من الأحداث اليومية؟
فقلت له:
أشعر أن جمهور المسلمين من أهل السنة يساقون رغما عنهم إلى معارك يومية تستنزف طاقاتهم، وتصرفهم عن معالي الأمور..
والعمر أقصر من ذلك، والناس أحوج إلينا في غير ذلك!!
وبينما نتقاتل يوميا من أجل أمر خلافي هنا، أو قضية ثانوية هناك…تُغَيَّب أجيال، ويُقتَل أحباب، وتُحتَلُّ أوطان، ويُلتَف على الأمة من طرق أخرى بعد إشغالها بأمور لو لم ننشغل بها ما تغير في واقعنا شيء!!
وربنا يحب معالي الأمور كما في الحديث…
ومعالي الأمور اليوم أراها في استنقاذ هذا الجيل، والانشغال بإخواننا في ربوع العالم الإسلامي ، ووحدة الأمة ولم شملها، ومواجهة الفتن العقدية والأخلاقية المقبلة علينا بلا حصر…وغير ذلك..
منذ عقود من الزمن… انطلقت عدة مشاريع في بلادنا..
كلها استكملت أدواتها، واستحكمت خططها، وكادت أن تصل إلى مرادها…إلا مشروع أهل السنة!!
كلما قام أقعدوه، وكلما انطلق أخروه، وكلما قوِي أضعفوه..
وواجب المصلحين فهم الخطط…لا الوقوع في المصائد.
ففي الحديث الشريف الحنيف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها “
كان شيوخنا يعلموننا هذا الحديث ليربونا على أن نعمل الصالحات ونستكمل صنائع المعروف حتى آخر الأنفاس، فليس بعد قيام الساعة إلا الموت..
لكنني فهمت اليوم من الحديث معنى آخر…
فهمت أن لا تنشغل عن العمل لدينك مهما كان الصخب حولك!!
فقيام الساعة يستدعي معه كل صور الاضطراب..
طلوع الشمس من مغربها، النفخة الأولى في الصور…. إلخ
تخيل..
في مثل هاته الأجواء يقال لك: اغرس فسيلتك!!
يا رب..
وما تصنع فسيلتي؟ ومن سيأكل منها؟ ومن أين لي بطاقة نفسية تعينني على الغرس والسقيا والعالم ينتهي من حولي؟!
أنت مطالب بعمل الخير وبذل المعروف حتى ولو كنت قريب الأجل، وحتى ولو كان العالم من حولك شديد الاضطراب، ولو كان اضطراب يوم القيامة!!
لأن الله عز وجل لا يريد للمصلحين أن يتوقفوا…
ولأن المصلح لا تخلو يده من فسيلة خير إلا إذا مات… ما عدا ذلك فحتى القيامة لا تبرر ترك الفسيلة!!
أقول هذا الكلام وأنا أرى الكثير من الصحب يتركون فسائلهم لأن الناس ساءت أخلاقهم، ولأن العالم صار موحشا، ولأنه لم يعد لديه طاقة وسط هذا الاضطراب والصخب الحياتي المرهق؟!
ومن يغرس فسائل الخير إذن؟!
وأين اضطراب اليوم من اضطراب يوم القيامة؟
لا عذر لمقصر، ولا حجة لتارك الفسيلة!!
بل المعروف أنه كلما صعب غرس الفسيلة كلما عظم الأجر..
كم امتلأت كتبنا بقصص الإمام فلان الذي ظل يعلم طلابه الحديث حتى خرجت روحه وهو يحدث..
وقصة أبي أيوب الأنصاري الذي خرج مع جيش القسطنطينية وهو في الثمانين من عمره لا يثبت على الفرس!!
وقصة أنس بن النضر الذي صرخ في أصحابه الذين أقعدهم نبأ موت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم:
فيم مقامكم بعده؟
قوموا فموتوا على ما مات عليه!!
العجيب أن تاركي الفسائل من المصلحين اليوم يتركونها وأصحاب الفسائل الضارة، وناشرو الفجور، وأصحاب الأفكار الهدامة يزرعون شجر الغرقد، ويبنون مساجد الضرار في كل بلد وشارع، بلا كلل ولا ملل..
حتى ملئوا الأرض إلحادا وشذوذا وفجورا وفواحش… بينما الكثير منا ينظر إليهم بنفس مهزومة وعقول موهومة…
أيها الصحب…
استكملوا غرس فسائلكم فلا يصح أبدا أن يزهق ويمل الحق ويستكمل الباطل!!
أكملوا الغرس فلا عذر لكم إن كانت القيامة تقوم فكيف بما دونها؟!
أكملوا الغرس ولا تشمتوا فيكم ابن سلول وأبا عامر الفاسق، فمساجد الضرار أعمارها قصيرة وإن ظننا غير ذلك!!
أكملوا الغرس في صغار أبناء الأمة وكبارها، استنقذوا من استطعتم من الناس من النار، جابهوا سلاح الفجور ولو بالصدور…
أكملوا الغرس في تثبيت بعضكم، والعض سويا على جراحكم..
فالله الذي تعبدكم بالغرس ولو مع قيام القيامة لا يريد منكم إلا أن تظلوا رافعي اللواء ولو حاصركم الأعداء، وتستكملوا العمل ولو أطفئت مشاعل الأمل… فالعبرة ببقاء المصلحين ولو مع قدوم يوم الدين!!

شاهد أيضاً

الدمج المدرسي كفيل لضمان تعليم عادل 

    كتبت: المدونة التونسية/ إيمان قاسمي تم النشر بواسطة:عمرو مصباح   في البداية يمكن …