بقلم / سمير الحيان
_في نظرية الأخلاق و السياسة:
_يقول المفكر والسياسي الأمريكي مارك توين :(السياسيون مثل حفاضات الأطفال ، يجب تغييرهم من حين لأخر)
وقال الشيخ العلامة المحدث ناصر الدين الألباني رحمه الله في مقولته الشهيرة :(من السياسة ترك السياسة).
هذه مقولة وحجة بليغة من محدث عصره وعالم زمانه ومن شيخ جليل لايشق له غبار ولاتتناطح في شأن علمه .
_ لكن عذرا ياأبنائي فبعض الأشياء وبعض الأحداث والتطورات صارت تحتم عليكم وتفرض عليكم وتضطركم ،للغوص في السياسة.
فالسياسة صارت تخالط لحمنا وشحمنا ، وصارت أكسجينا نستنشقه ونتنفسه كل يوم ،فكل شيء في بلداننا وأوطاننا سيس ، وصار يسير بمنطق السياسة ،فالسياسة حاضرة ، وفارضة نفسها وبكل قوة في كل الحيثيات ، والمجالات الحياتية والمعيشية في حياتنا ، وفي معاشنا اليومي فالصحة سيسة والرياضة والفن والخلق والإبداع والأفكار والمنضورات والتصورات كلها سيسة ،وصارت تغدو وتروح وتصعد وتنزل بمنظور ومنطق السياسة .
لكن مايدهشني ومايحيرني في قمة وهرم السياسة ومايدهشني وما يحيرني أكثر في شأن هؤلاء الحكام العشاق للعروش والكراسي والمناصب من تشبتهم وطول نفسهم وتعطشهم الكبير للبقاء في السلطة والحكم رغم هرمهم وكبر سنهم وبلوغهم من العمر عثيا في غياب تام للحياء والأخلاق والمبادئ وكل المراسيم والقوانين التي تؤكد وتنص علي شرط القدرة الجسدية والكفاءة العلمية العالية التي تتطلبها ممارسة تلك الوضيفة وتحمل تلك الأمانة التي تنوء بثقلها وتحملها الجبال .
في غياب تام للحياء والأخلاق المنظمة والمؤطرة لتولي مقاليد الحكم والرياسة فكل القيادات المتواجدة على طول وعرض هذا الوطن العربي قد شاخت وهرمة ولان عضمها وشاب رأسها وشاب عقلها كدالك ولازالت متشبتة تشبتا أسطوريا ملحميا بكرسي العرش والحكم والقيادة فخارطة العالم العربي تستحق أن توصف بأنها منطقة المؤامرات والإغتيالات والإنقلابات والتزوير والتصفيات بإمتياز لهدف البقاء في الكراسي والعروش بجدارة وجسارة وإستحقاق في إنعدام وغياب تام للحياء والأخلاق .
_إدن فهل لسياسة أخلاق وماعلاقة الأخلاق والثقافة بالسياسة هل هناك توافقات بينهم أم ليس هناك سوي التقاطعات.
_إدا فلنضرب مثلا لكي تتضح الصورة ويضهر الذليل والبرهان ونضرب مثلا لعلاقة السياسة كموضوع بتيمة ومفهوم الثقافة وهل هناك علاقة تناسبية وتكاملية أم أن هناك علاقة طردية وتباعدية فيما بين التيمتين ومابين المفهومين ،ولننظر كذلك لعلاقة السياسة بالأخلاق ولننظر هل تجمعهم التألفات أم تفرقهم التضاربات والتعارضات.
فمن المعلوم والمتعارف عليه عند أصحاب وأهل الشأن والإختصاص أن أي كلمة وأي مفهوم وأي معنى وأي مدلول كيفما كان شكله وثقله ووزنه وقيمته وحمولته إدا أردت أن تهينه وتحط من قيمته وقوته وثقله القيمي والمعنوي والمعرفي والإعتباري تكون عندما ترمي وتلقي به في أثون وبراثن السياسة تتقاذفه الشطحات والنزعات والمعسكرات والإستقطابات والمصالح والمزايدات حتي يثم إفراغه من مضمونه وجوهره وروحه ومهمته وأهميته فيصير بذالك بلاجدوي ولاوزن ولاقيمة أما إدا أردت أن تكرمه وتمنحه وضعه القيمي والإعتباري والرمزي تكون عندما تضعه في إطاره وشقه ومكانه ومضمونه الثقافي فالسياسة مفسدة للمفاهيم مهلكة للأفكار ومحطمة للإبداع فكم من مثقف وكم من عالم نحرير كان ضحية لسياسي حقير وكم من مثقف جليل حطمته السياسة عندما مارسها وتعاطي لشرها أما الثقافة فهي منعشة وناهضة ومشجعة دائما على الخلق والإبداع والإبتكار والإلهام فالثقافة علم والسياسة عبث الثقافة إحترام والسياسة مهلكة للمبادئ والقيم السياسة مستنقع آسن عفن والثقافة حركة وصفاء ذهن ونهوض بالمثل والقيم لدا فالعلماء والفهماء وأصحاب العقول و الحجى ينصحون ويلحون ويؤكدون دائما و مرارا وتكرارا ويحدرون من تسييس الأمور والنآي بها عن الصراعات والقشور لأن السياسة قشور والثقافة لباب وبدور فالشعوب والأمم المتحضرة والراقية لايقيمون لسياسي أي وزن ولا أي إعتبار ولايمنحونه قدرا وقيمة لايستحقها وليس آهلا لها أما المثقف عندهم فمكانته بارزة لاتقارن ولاتضام وليس لها مثيل أما عندنا في هاته الدول والأمم المتخلفة فالعكس ما هوواقع ويقع ويحدث فتلك الذول والأمم المتحضرة لم تكن نهضتها مدفوعة ومسوقة بعامل سياسي أو سياسوي فجل وكل الدول المتقدمة لم تحقق نهضتها ورقيها بفعل ثورة سياسية وإنما حققة تلك النهضة بفعل الثقافة والعلم ولاشيئ غيرهما فنقول على سبيل المثال لا الحصر فهناك الثورة الثقافية الفرنسية وهناك الثورة الثقافية الإنجليزية وهناك الثورة الثقافية الإيطالية وهنالك الثورة الثقافية الأمريكية هاته الثورات الثقافية أكسبت تلك الدول شخصيتها ونمودجها الحضاري والقيمي وجعلته قابل للإحترام والتقدير بل والتسويق والنشر والتصدير أيضا إلى ربوع العالم أي مايعرف بمفهوم تصدير الثورات ولم نسمع إطلاقا وبثاثا عن الثورة السياسية الفرنسية أو الإنجليزية أو الإيطالية أو الأمريكية فالسياسة دائما ضلت متعلقة وعالقة بالثقافة ومن متعلقاتها فالسياسة مثلها مثل الفطر لاتنبت ولاتحيا إلا على حساب الأخرين والأخرين هنا هي الثقافة فالثقافة هي الركن والأساس والمنبع والنبراس والمنطلق والمقياس فبها تسمو الأمم وتخطوا الخطوات تلو الخطوات في مذارج ومسالك ومعارج السمو والعلو والإقلاع الحضاري والإنساني وبدونها تنحط وتندك ولاتقوم لها قائمة بعيدا عن منطق الصراعات والشطحات السياسية التي تفسد أكثر مما تصلح في أغلب الأحيان والأوقات واللحضات والسياسي إن لم يكن مثقفا ولم يؤطر نفسه وروحه وحياته ثقافيا وعلميا فإنه يكون وبالا وشرا مستطيرا على المجتمع والنضام والأفراد والمجتمعات وهدا ما وصلت وتوصلت إليه أغلب البلدان والدول والأمم المتحضرة والراقية فالثقافة صارت وأصبحت من المسلمات وشرطا لامحيد عنه للممارسة السياسية وتسيير الشأن العام لأن الثقافة تكسب السياسة روحا وأخلاقا وقيما ومثلا لامناص عنها ولامحيد ولاإنفكاك عنها فالسياسة بدون ثقافة كالجسد بلا روح فعندما تنزع عن السياسة مضمونها وروحها الثقافية تصير لافرق بينها وبين البغاء والدعارة فالعاهرة بدون أخلاق بالضرورة المؤكدة تصبح وتمسي تتاجر وتبيع جسدها ولحمها وشرفها ليل نهار بدون وازع ديني ولاأخلاقي فالذين والأخلاق عندها أخر الأولويات والإهتمامات وكدالك السياسي الدي بلاثقافة يستغل موقعه ومكانته ومنصبه فيصبح تاجرا يتاجر في كل شيء يعرض نفسه في سوق النخاسة لمن يدفع ويؤدي أكثر فيبيع حين داك ذمته ويتاجر في ذمم الناس بذون خجل ولاوجل ولاحياء ولاإستحياء والأمثلة والنماذج كثيرة ومتعددة على طول التاريخ وعرضه ونحن في المغرب ومامثال النواب الرحل عنا ببعيد يمسي الرجل شخصا وعضوا ومؤطرا في حزب سياسي معين ويصبح في حزب سياسي أخر بعيدا كل البعد عن الحزب الأول الذي كان فيه بالأمس لامن حيت المبادئ ولاالأهداف ولاالقيم والدي حمله على هذا هو المصالح المادية بذرجة أولى ثم فراغه وإنعدام المبادئ والأخلاق لديه وفراغه كذلك من العامل الثقافي المؤطر وكذلك أنه نام وإستيقض ووجد نفسه سياسيا يخوض في معترك السياسة بدون مؤهلات ولاكفائات ولامرجعيات تؤطره وتحكمه ويقتدي بها فينشأ لديه مايعرف بالنفاق السياسي الذي هو محرم ثقافيا فيصبح حين داك مصيبة ووبالا على نفسه وعلى مجتمعه فيصبح حين داك كالحرباء المغروسة في عضد الدولة والمجتمع تفث في عضدها بالسلب وليس بالإيجاب وماأروع ماقال المفكر والمنضر والفيلسوف الأمريكي مارك توين عندما قال (إن الساسة والسياسيين مثلهم مثل حفاضات الأطفال يجب تغييرهم من حين لآخر) هنا تطرح أمامنا مجددا مسألة الثابت والمتغير من جديد فالسياسة متغيرة والثقافة ثابتة مستقرة في مكانها لايجرؤ علي المساس بها أحد والثابت لا يغير بالمتغير ففي بريطانيا وفي العالم بأسره إدا سألت أحدا ما عن إسم السياسي (جون ميجور) يكاد لايعرفه ولايفطن إليه أحد إلا القليل من الناس من أصحاب الشأن والإختصاص وأصحاب المجال أما إدا أنت سألت أي أحد عن إسم المفكر والمثقف (ويليام شكسبير) فإنه نار علي علم ولايكاد يخطئه أحد بل يمكن أن يعرفك بسيرته وبفكره وبإنجازاته وإسهاماته في تقدم ورقي الفكر الإنساني والحضاري فالثقافة لها جدور وبدور والسياسة تدهب وتنزاح مع القشور وقد كانت هناك محاولات وجهود مضنية وجبارة عبر التاريخ والأزمان للتقريب مابين السياسة والثقافة من جهة وربط الثقافة والسياسة بالأخلاق من جهة أخري لكنها بائت بالفشل الدريع بشهادة أهلها ومنضريها أنفسهم وعلي سبيل المثال لا الحصر وعلي سبيل الإستئناس نورد هنا مثالا صارخا معاصرا لدالك ألاوهو مثال ماقام به قطب وعراب الفلاسفة المعاصرين الفيلسوف الفرنسي المعاصر (إدغار موران ) الدي دعا في كتاباته وأعماله وماقام به من جهود إلي تخليق السياسة ودافع عن مبدأ وفكرة إلباس السياسة ودتدثيرها بدثار أخلاقي لكنه في النهاية إعترف بفشله الدريع وفشل نضريته وتنضيره وصدح بحقيقة مفادها ومؤداها أن السياسة لاأخلاق لها ولاتمت للأخلاق بصلة فبدون أن تكون لسياسي وللمسير لشأن المحلي والعام نزعة وخلفية وروح ثقافية مشبعة تتسم وتعج بالمبادئ والأخلاق والصفاء فإنه يصير ويصبح بلا وزن ولا ثقل ولاقيمة فالسياسي والمسير للشأن العام إن غابت عنه نزعة وخلفية وروح ثقافية مشبعة تتسم وتعج بالمبادئ والأخلاق فإنه يصير بلاقيمة ولاوزن له فكل هدا الكلام كله قلته لأضرب به الأنمودج والمثال ولأقيم به الحجة والدليل والبرهان ولأوصل فكرة ورسالة مضمونها ومحتواها أن العالم العربي وليس الإسلامي لأن هناك فرقا وبونا شاسعا ما بين العروبة والإسلام فليس كل عربي هو إسلامي بالضرورة والعكس أيضا صحيح ومؤكد قلت أن العالم العربي من المحيط إلى الخليج أصبح يغيب وينعدم فيه إن لم أكن مخطأ خلق الحياء بصفة عامة والحياء العلمي بصفة خاصة ومقيدة فنبتة فيه نبتة خبيثة وضارة مضرة وطائفة عقيمة وعاقرة لاتنفع وشرها أكثر من خيرها والدين هم أولئك أشباه الرجال وأشباه المسؤولين وأشباه القادة المنعدمي الأخلاق إدا فالسياسة لا أخلاق لها في أوطاننا العربية الجريحة المتخنة بالجراح والسبب هو الأزمة التي تعرفها مجتمعاتنا وشعوبنا والتي هي أزمة الأخلاق في القيادة والقادة .
_ فصدق من قال :(أن الصدق أفضل سياسة) والصدق خلق.
_ وصدق رسول الله صل الله عليه وسلم عندما قال في حديثه الشريف :(إن لم تستحى فإفعل ماشئت كما تدين تدان )
_ وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم.