أصبح مفهوم “التنمية المستدامة” محركاً سياسياً عالمياً يوجه مستقبل الأمم الاقتصادي والاستراتيجي، فمن خلال أنماط الاستهلاك والإنتاج غير المسئول، أصبح للإنسان تأثيرات ضارة بالبيئة، وهو ما عرَّض الأرض والأجيال المستقبلية للخطر.
قديماً كانت السمة المميزة للتنمية والازدهار في الدول هي التنمية العلمية والاقتصادية، غابت فيها المساءلة البيئية للسياسات والتصنيع والاستهلاك اليومي للإنسان لمئات السنين مما أدى إلى تفاقم الأزمات التي تتجلى في تغير المناخ وتآكل التنوع البيولوجي والتلوث وفقدان الموارد الطبيعية.
على صعيد آخر، لم تحقق جهود التنمية الاقتصادية والعلمية تلك تطلعات النظام العالمي والحكومات وعلماء الاجتماع عندما يتعلق الأمر بمعالجة المشاكل الاجتماعية المزمنة التي تعصف بالعالم الذي نعيش فيه. حيث لا يزال الفقر والأمية والتفاوت في مستويات الدخل سائداً في العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم.
وفي هذا النطاق، ظهر مفهوم “التنمية المستدامة” تدريجياً ليصبح في الوقت الحاضر الهدف والغاية الرئيسيين للأمم المتحدة والمجتمع المدني. حيث أقرت الدول وصانعي السياسات أخيراً بأن الوضع الحالي للتدهور البيئي يهدد بشكل خطير بقاء البشرية.
وعلى الرغم من أن هذا المفهوم قد تم تقديمه لأول مرة في عام 1972 على الساحة العالمية، إلا أنه قدم رسمياً فقط في عام 1982 كمفهوم واضح للمرة الأولى عندما قدمت اللجنة العالمية المعنية بالبيئة والتنمية (WCED)، برئاسة برونتلاند، تقريراً تحت عنوان “مستقبلنا المشترك”. عرفت فيه التنمية المستدامة على النحو التالي: “التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها الخاصة”.
وعلى هذا، تستند التنمية المستدامة إلى مفهوم مواءمة التنمية الاجتماعية والاقتصادية مع الأولويات البيئية من أجل الحد من التدهور البيئي الحالي وتغير المناخ مع الحفاظ على الموارد الطبيعية قدر الإمكان بما لا يتعدى قدرتها على التجدد من أجل مستقبل الأجيال القادمة.
أهميتها
تسريع الجهود للحفاظ على الجنس البشري ورفاهية الأجيال المستقبلية
المحافظة على التقدم الإنساني والحضاري الذي تم تحقيقه حتى الآن
الحد من التدهور البيئي
التقليل من تأثير تغير المناخ
المحافظة على التنوع البيولوجي
تعزيز إعادة توليد الموارد الطبيعية
الحد من جميع أنواع التلوث
التصدي للتحديات الاجتماعية مثل الفقر والأمية
تسخير الابتكار والإبداع لخدمة الإنسان والطبيعة
فوائد الاستدامة
تخفيض التكلفة المالية والاقتصادية طويلة الأجل للتدهور البيئي.
إجبار خبراء السوق وصانعي السياسات على تضمين الأولويات الاجتماعية عند الترويج للقطاع الخاص والشركات.
تغيير دور الشركات إلى أعضاء ملتزمين بيئياً بالمجتمع.
التأكيد على استدامة النمو الاقتصادي.
تعزيز المساواة بين الجنسين، وحقوق العمال وخلق فرص العمل.
تشجيع أنماط صحية للمعيشة والتغذية.
دعم ظهور اقتصاد دائري يعتمد على إعادة التدوير وإعادة الاستخدام.
استهداف ممارسات أفضل للسلوك البشري من خلال الاستهلاك الواعي.
إيجاد فرص عمل وأسواق جديدة كإعادة التدوير والطاقة النظيفة.
تقديم ممارسات مسئولة للاستثمار والأعمال التجارية.
استحداث منتجات وخدمات جديدة واعية بالبيئية.
أهداف التنمية المستدامة (SDGs)
تم الإعلان عن أهداف التنمية المستدامة في العالم من خلال قرار 70/1 للجمعية العامة للأمم المتحدة تحت عنوان “تحويل عالمنا: أجندة التنمية المستدامة لعام 2030” في عام 2015. والتي تمثل خطة عمل للأفراد والكوكب نحو الازدهار، وفقاً لما ورد بالميثاق وبدأ التنفيذ الفعلي لهذه الأهداف في يناير 2016.
وقد صُممت الأهداف بشكل متعمد لتتضمن التحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية على نطاق واسع، مع ترابطها في نفس الوقت والتي تشمل على 17 هدفا و169 غاية، قصد منها أن تصبح حزمة من الالتزامات للدول والمجتمعات وحتى الأفراد، لمعالجة القضايا الحاسمة للجنس البشري.
ومن المتوقع أن تتحقق الأهداف وغاياتها بحلول عام 2030. لذا فهناك جهود عالمية متضافرة وحيوية وعمل دؤوب من أجل تحقيق هذه الأهداف.
لتيسير تحقيق هذه الأهداف تلقى إجراءات التطويع المحلي وترتيب الأولويات ترحيباً وتشجيعاً من قبل الدول والمؤسسات والمجتمعات.
المستدام
التمويل المستدام هو جزء من حركة عالمية لنشر مفهوم “التنمية المستدامة”. يتم توجيهها بشكل أساسي نحو -تشكيل دور المؤسسات المالية لتصبح مساهماً أساسياً في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وبالنظر إلى ما هو أبعد من حوكمة الشركات والمسؤولية الاجتماعية للشركات، فإن التمويل المستدام هو ليس فقط وسيلة للتخفيف من الآثار الخارجية السلبية للممارسات التجارية. ولكنه بالأحرى يدعو إلى تصميم الاستثمارات واللوائح لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بشكل مباشر.
وبالتالي يمكن تعريف التمويل المستدام على أنه أي نوع من أنواع الخدمات المالية والإدارة المالية التي تدمج المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG) عند اتخاذ القرارات الاستثمارية.
تشمل الأنشطة في إطار التمويل المستدام، على سبيل المثال لا الحصر، ما يلي:
شركات التمويل الأخضر
الصناديق / المشاريع المستدامة
السندات الخضراء
الاستثمار الهادف
التمويل متناهي الصغر الأخضر
قروض للمشاريع المستدامة
تقديم تقارير حول المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة والإفصاح عنها
أهمية التمويل المستدام
تمكين المؤسسات المالية لدعم التنمية المستدامة
تشجيع نمو المشروعات الصديقة للبيئة
مكافحة تغير المناخ، وتدهور البيئة وعدم كفاية الموارد
تعزيز التكنولوجيا النظيفة والابتكار
تعزيز ريادة الأعمال المستدامة والخضراء
تشجيع استحداث المنتجات الخضراء والإنتاج الصناعي النظيف
في يناير 2019، تم تأسيس إدارة جديدة للتنمية المستدامة (SDD) في الهيئة العامة للرقابة المالية. وتهدف الإدارة الجديدة إلى قيادة جهود الاستدامة في الهيئة كمؤسسة والتواصل مع أصحاب المصالح والشركات التي تشرف عليها. حيث تم تصميم وإقرار استراتيجية صممت حديثًا للتنمية المستدامة.
وتتمثل الأولوية الرئيسية للاستراتيجية في مواءمة الجهود الاستراتيجية التي تبذلها الهيئة العامة للرقابة المالية في التنمية المستدامة مع استراتيجية التنمية المستدامة مصر 2030.
تحرص إدارة التنمية المستدامة على العمل الدؤوب على تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة وتكوين شركاء محليين وإقليميين ودوليين لتسهيل تحقيق هذه الأهداف، جنباً إلى جنب مع استهداف وتوعية أصحاب المصلحة في المجتمع المحلي للقيام بالمثل.
وبناءً على ذلك، تم تبني عدد من أهداف التنمية المستدامة كأولوية تركز عليها الهيئة العامة للرقابة المالية. وضعاً في الاعتبار حقيقة أن أهداف التنمية المستدامة صممت لتكون متداخلة، لذا فالأهداف التي تبنتها الهيئة ستسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة بشكل عام عملاً بمبدأ التأثير المتعاقب.
رؤية مصــــــــــــر ٢٠٣٠
رؤية مصر ٢٠٣٠ هي أجندة وطنية أُطلقت في فبراير ٢٠١٦ تعكس الخطة الاستراتيجية طويلة المدى للدولة لتحقيق مبادئ وأهداف التنمية المستدامة في كل المجالات، وتوطينها بأجهزة الدولة المصرية المختلفة. تستند رؤية مصر ٢٠٣٠ على مبادئ “التنمية المستدامة الشاملة” و”التنمية الإقليمية المتوازنة”، وتعكس رؤية مصر ٢٠٣٠ الأبعاد الثلاثة للتنمية المستدامة: البعد الاقتصادي، والبعد الاجتماعي، والبعد البيئي.
وإيماناً بكون الاستراتيجيات وثائق حية، قررت مصر في مطلع عام ٢٠١٨ تحديث أجندتها للتنمية المستدامة بمشاركة كافة أصحاب المصلحة من شركاء التنمية وذلك لمواكبة التغييرات التي طرأت على السياق المحلي والإقليمي والعالمي. واهتم الإصدار الثاني لرؤية مصر ٢٠٣٠ بأن تصبح رؤية ملهمة تشرح كيف ستخدم المساهمة المصرية الأجندة الأممية، وكيف سيخدم ذلك السياق العالمي. وتؤكد الرؤية المُحدثة على تناول وتداخل كل القضايا من منظور الأبعاد الثلاثة للتنمية المستدامة: البيئي والاقتصادي والاجتماعي، فهي رؤية شاملة ومتسقة تتكون من استراتيجيات قطاعية للجهات الحكومية المختلفة.
تركز رؤية مصر ٢٠٣٠ على الارتقاء بجودة حياة المواطن المصري وتحسين مستوى معيشته في مختلف نواحي الحياة وذلك من خلال التأكيد على ترسيخ مبادئ العدالة والاندماج الاجتماعي ومشاركة كافة المواطنين في الحياة السياسية والاجتماعية. يأتي ذلك جنبًا إلى جنب مع تحقيق نمو اقتصادي مرتفع، احتوائي ومستدام وتعزيز الاستثمار في البشر وبناء قدراتهم الإبداعية من خلال الحث على زيادة المعرفة والابتكار والبحث العلمي في كافة المجالات. وتعطي رؤية مصر ٢٠٣٠ أهمية لمواجهة الآثار المترتبة على التغيرات المناخية من خلال وجود نظام بيئي متكامل ومستدام يعزز المرونة والقدرة على مواجهة المخاطر الطبيعية. كما تركز الرؤية على حوكمة مؤسسات الدولة والمجتمع من خلال الإصلاح الإداري وترسيخ الشفافية، ودعم نظم المتابعة والتقييم وتمكين الإدارات المحلية. وتأتي كل هذه الأهداف المرجوة في إطار ضمان السلام والأمن المصري وتعزيز الريادة المصرية إقليميًا ودوليًا.
أهداف أجندة التنمية المستدامة
الهدف الأول
جودة الحياة: الارتقاء بجودة حياة المواطن المصري وتحسين مستوى معيشته.
يتحقق الارتقاء بجودة حياة المواطن المصري وتحسين مستوى معيشته بالحد من الفقر بجميع أشكاله، والقضاء على الجوع، وتوفير منظومة متكاملة للحماية الاجتماعية، واتاحة التعليم وضمان جودته وجودة الخدمات الصحية، وإتاحة الخدمات الأساسية، وتحسين البنية التحتية، والارتقاء بالمظهر الحضاري، وضبط النمو السكاني، وإثراء الحياة الثقافية، وتطوير البنية التحتية الرقمية.
الهدف الثاني
عدالة واندماج: العدالة والاندماج الاجتماعي والمشاركة
تسعى الأجندة الوطنية إلى تحقيق العدالة من خلال تحقيق المساواة في الحقوق والفرص، وتوفير الموارد في كل المناطق الجغرافية، في الريف والحضر على حد …