عشرون عاما وأنا أبحث عنك

عشرون عاما وأنا أبحث عنك

كتبت /عزيزة مبروك

أقامت نقابة الأطباء بانجلترا عام 1920م حفلا كبيرا لتخريج دفعة من الأطباء الجدد وقد كان على قائمة المدعوين رئيس الوزراء البريطاني في ذلك الوقت و بعد بداية الحفل قام نقيب الأطباء بإلقاء كلمته وتوجيه النصح والإرشاد لهؤلاء الأطباء الذين سيدخلون إلى عالم المهنة بعد سنوات الدراسة ووسط كلمته حكى لهم موقفًا حدث معه وهو بداية عمله المهني .

 

القصة كما رواها نقيب الأطباء :
في منتصف ليلة عاصفة أتتني سيدة عجوز كان يبدو عليها ملامح البساطة ورقة الحال ، وقالت لي : ساعدني أيها الطبيب فطفلي مريض وهو في حالة خطيرة أرجوك أن تفعل أي شيء لإنقاذه .

خرجت معها مسرعًا وأنا غير مبالٍ بالعواصف والزوابع التي كانت تنتشر في ذلك الجو المضطرب ، خرجنا والمطر يهطل بمياهه الغزيرة علينا كأن صنبور انفتح من السماء وكان يسعدني حقًا حينها ويهون عليّ الأمر هو دعاءها لي والذي لم يتوقف حتى حينما توقف المطر .

وبعد رحلة شاقة وصلنا لمنزلها حيث كانت تعيش في غرفة صغيرة يبدو عليها التواضع وكان طفلها يرقد في زاوية من تلك الغرفة وهو يتألم ويئن بشدة ففحصت الطفل وأديت واجبي نحوه كطبيب وحينما هممت بالخروج استوقفتني السيدة العجوز وناولتني كيس به بعض النقود فرفضت أخذها واعتذرت لها بلطف ثم انصرفت .

وفي اليوم التالي جئت للاطمئنان على المريض وتعهدته بالرعاية حتى من الله عليه بالشفاء وهنا أنهى النقيب قصته وتابع كلامه قائلًا : تلك هي مهنة الطب والطبيب وهي من أقرب المهن إلى الله لأنها تختص بالرحمة والرفق بحال البشر .

 

وما كاد نقيب الأطباء ينهي كلمته حتى قفز رئيس الوزراء من مقعده ، واتجه مباشرة إلى منصة الخطابة ونظر إلى نقيب الأطباء وقال له في كل تواضع وامتنان : اسمح لي يا سيدي النقيب أن أقبل يديك فمنذ عشرين عامًا وأنا أبحث عنك .

 

حاولت كثيرًا أن أعثر عليك ولكن لم يسعفني الحظ فأنا ذلك الطفل الذي ذكرته في حديثك ورققت بحاله وحال أمه لقد كانت وصية أمي الوحيدة قبل أن تموت هي أن أبحث عنك وأعثر عليك حتى أكافئك على ما صنعته معنا في فقرنا وأرد لك المعروف فلولاك ما كنت حيًا أرزق الآن وما صرت في هذا المكان الذي أنا فيه .

 

وكانت تلك القصة أكبر درس عملي لكل الأطباء الحضور في تلك القاعة آنذاك حيث رأوا ثمرة الرسالة الطبيب تتجسد أمامهم على أرض الواقع و تعد هذه القصة من القصص الواقعية التي حدثت مع رئيس الوزراء الانجليزي لويد جورج والذي كان يعتز بفقره ورقة حاله قبل أن يجتهد ويصل إلى ما وصل إليه من نجاح .

شاهد أيضاً

القاص سعيد رضواني:”قلعة المتاهات حين تكتب القصة طيف كتابتها

القاص سعيد رضواني:”قلعة المتاهات حين تكتب القصة طيف كتابتها بقلم/ شكيب أريج مر على صدور …