بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وما أقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين وإنتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين وحجة الله على الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ثم أما بعد، إن إزالة ما يؤذي الناس عمل جليل، رتب عليه أجر عظيم، ولو كان شيئا يسيرا في طريق الناس أو أماكن اجتماعهم، وقد عد النبي صلى الله عليه وسلم إماطة الأذي عن الطريق من شعب الإيمان ” واعلموا أن رجلا دخل الجنة في غصن نحاه عن طريق الناس لتعلموا خطر أذية الناس.
وفضل إزالة ما يؤذيهم، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” مر رجل بغصن شجرة علي ظهر طريق فقال والله لأنحين هذا عن المسلمين لا يؤذيهم فأدخل الجنة ” رواه الشيخان واللفظ لمسلم، وأعجب من ذلك أن يكون منع الأذى عن المسلمين، أو رفعه بعد وقوعه من الأولويات التي تقدم على غيرها كما في حديث أبي برزة رضي الله عنه قال ” قلت يا رسول الله علمني شيئا ينفعني الله به، فقال “أنظر ما يؤذي الناس فأعزله عن طريقهم ” رواه أحمد، وما أحوج المسلمين إلى التخلق بهذا الخلق الحسن الرفيع، فيشعر بعضهم ببعض، ولا يؤذي أحد منهم أحدا، ويستبقون على الأذى لإزالته رغبة في الأجر ودفعا للضرر عن الغير، ومن سمو الشريعة ورفعتها هو إهتمام النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم بغرس هذا الخلق الجميل في أمته.
وعده من محاسن الأعمال، وأن تركه من سوء الإهمال، دل على ذلك حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” عرضت علي أعمال أمتي حسنها وسيئها فوجدت في محاسن أعمالها الأذي يماط عن الطريق ووجدت في مساوئ أعمالها النخامة تكون في المسجد لا تدفن ” رواه مسلم، وإذا عجز المرء عن عمل الخير كان إمساكه عن أذية غيره من الخير إذا إحتسب ذلك عند الله تعالى، فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم جملة من خصال الخير يحث أبا ذر رضي الله عنه على العمل بها، فقال أبو ذر ” فإن لم استطع قال صلى الله عليه وسلم ” كف أذاك عن الناس فإنها صدقة تصدق بها عن نفسك ” والطرق يلتقي فيها الناس، ويتخذون من نواصيها وسعتها أماكن لجلوسهم أو لحديثهم، وكان من حق الطريق لمن جلس فيه كف الأذى.
كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن لا يكف أذاه عن الناس يحرم عليه أن يجلس في طرقهم فيؤذيهم، ويقول الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى ” تضمّنت النصوص أن المسلم لا يحلّ إيصال الأذى إليه بوجه من الوجوه من قول أو فعل بغير حق” وفي هذه النصوص كفاية لمن عرف حرمة المؤمن عند الله تعالى، فكف لسانه ويده عن أذية أحد، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، فيا أيها المسلمون ما أبعد كثير من المسلمين عن أخلاق الإسلام وآدابه، وخصوصا فيما يتعلق بأذى الناس، سواء في الإستهانة بإيقاعه، أو الإهمال في دفعه وإزالته، وكأن الأمر لا يعني أحدا منهم، نسأل الله عز وجل أن يكتب لنا وإياكم في هذه الأيام المباركه خير ما كتبه لعباده الصالحين، وصلي الله اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.