“ضرة الخيال”
بقلم/ محمد عبد الغفار صيام
عَدَّتْ -المسكينة- نزغة قلبي جريمة، وصولة خيالى جريرة، وأخذتني بإثم لم يخرج عن مكنون النية، ولم يرقً لما يتعدَّى وسوسات النفس!
وليس ثمَّة جريمة – فيما أعلم – دون شِقّها الماديّ!
فهل يعدُّ براح الذهن مسرح جريمة؟ وحوار الضمير نص اعتراف؟ وفضفضات الخيال دليل إدانة؟ وحرز الجريمة محض هراء؟
وكيف يكون ممثل الادعاء خَصْماً وحَكَماً؟ ألا يعد ذلك فتقاً رهيباً في ثوب عدالتها المهتريء، يُنْبِيء عن خلل وعَوار!
هكذا أثارتْ زوجتي الدنيا ولم تُسكنها، وأقامتْ أوهام دعواها بعدما اتهمتني بالخيانة، زاعمةً بأن ثمة امرأة دونها في حياتي! وعبثاً حاولتُ -دون جدوى- تعديل الاتهام من “امرأة في حياتي” إلى “امرأة في خيالي!”.
وأما موجبات دعواها، وأدلة إدانتها فحافظة منسلَّة من أوراقي، مستلبة من خِزانتي، تحوي بعض يوميات، وبضع ذكريات، وحُزمةرسائل بلا تأريخ أو عنوان، إلى غير ذي اسم أو رسم.
بدا أوار غضبها يتلظى حمما في محجريها، وودتْ لو استبقتْ المحاكمة بالمِشنقة، فهدرتْ وأرغتْ وأزبدتْ… بلا تعقُّل كَلَبُوءَةٍ مهيضة:
* منذ متى تمارس خيانتك، وأين، ولم، وكيف، ومن…؟
فقاطعتها معترضاً استرسالها الأهوج؛ فقد أصدرتْ حكمها بِنَزَقٍ قبل تكييف اتهامٍ، واستماع دفوعٍ، ومثول شهودٍ.
– حسناً! إن أردتِيها محاكمة فتحلَّىْ بالإنصاف، ولا يجرمنَّكِ الكيْدُ لحرق المراحل، وتلطيخ وجه العدالة.
* إن ما بحوزتي من مضبوطات واضحة المدلول، ناصعةٌ المضمون لا تدع مجالا للإنكار أو الشك؛ بل تجعل المحاكمة تضييعاً للوقت وتمييعاً للجُرم.
– كأنَّكِ لم تقنعي باستباق المحاكمة وإصدار حكمكِ؛ فتجاوزتِ إلى تنفيذه بذبحي وسلخي حيا؛ تشفياً لوهمٍ ركب رأسكِ، وغيظٍ ضاق به صدركِ.
* لن يفلح سعيُكَ للتشكيك في نزاهة محاكمتي مهما، سحرتَ ودجَّلتَ، بما حُبِيتَ من منطقٍ وبيان.
– إنَّ ما تدَّعِين أنَّها أدلة قاطعة، وبراهين ناصعة لزلَّاتي-على حد زعمك- وخياناتي لا تعدو أن تكون بضع وريقاتٍ تضِجُّ بأحلامي وخيالاتي!
* سئمتُ إدعاءات إبداعكَ، وخيالكَ… وإنما هي مشاجبَ سابقة التجهيز تعلِّق عليه أحكام براءتِكَ، أو أنفاق هروبٍ محفوظةِ المسار تبرِّر بها زلَّتَكَ.
– ما أوهام ظنونِكِ إلا محض خيالٍ!
* إنَّ حاسَّتي كامرأةٍ لا يُشقُّ لها غبار! فما عاينتُهُ من عشقٍ وهيام في أوراقِكَ المشئومة لا ينم عن كاتبٍ، بل عن مُتيَّمٍ عاشق.
– لعلِّي صدقتُ فتماهيْتُ مع شخصيتي المُبتدَعة، وأجدتُّ في نَحْتِ عاشقتي المُختَلَقة!
* إن كنتَ -بحقٍّ- تعدُّ ذلك صدقا في التأليف والإبداع فقد أنفقتُ عمري معكَ في غشٍ وخداع؛ فلا أذكر أنَّني لمستُ منكَ في واقعِكَ كالذي عاينتُهُ منك في خيالِكَ!
– أياً كان ما لمسْتِ أو عاينْتِ، فما اتَّهمتِنِي به وهم خيالٍ رتقتُ به مفتوقَ منقوصاتي ومفقوداتي!
* إذاً هو تأكيدٌ لصدق حَدْسِي!
– بل وأزيدُكِ من القصيدة بيتاً تجنبتُ -لبقيةٍ من مروءةٍ- إعلامَكِ به، إن أمرأة خيالي التي استعضُّتُ بها عنكِ، ولُذتُ بها منكِ، استنطقها يراعي، واختلقتُها من وحي أحلامي، واصطنعتُها على عيني، ووهبتُها إقامةً في موئلِ روحي؛ حتى أَفِيءَ إليها كلما لفحتْنِي سياطُ لأْوائِكِ، وجَلَدتْني هبَّاتُ تنْغيصِكِ.
* و بعد ذا كلِّه ألا تعتقدُ بأن ما اقترفتَهُ في حقي خيانةً؟
– بلى؛ لأنَّ ما استقرَّ من قانون الواقع لا يصح أن ينسحبَ على زلَّاتِ النوايا، وانحرافات الخيال.
* ألا لعنَ الله خيالاً اجْترَّ علىَّ بسوء طلعته وبالاً.
– دخان اللَّعن وإنْ عكَّر صفواً فلا يغيَّرَ واقعاً.
* فإن كانت شناعة الجُرم وإزراؤه بقدر ما يسبِّب من أذى وضررٍ، فقد تحققتْ لديَّ عِلة الضرر، ولحقني ما لا يخفى من الأذى؟
– أقسم غير حانثٍ أنَّكِ من سبب لنفسهِ الأذى، وألحق بها الضرر.
* وكيف ذا أيها الحانث؟
– أًلم تنْبشي دون حقٍ في خِزانتي؟ وتدلفي دون إذنّ إلى قَعْر نيَّتي؟
* مارستُ حقَّي كزوجة، وأخذتُك بما أضمرتَ من جُرم.
– تباً لجهلِكِ! وقد منحتِ نفسَكِ ما ليس لكِ؛ فربُّ الناس لا يُؤاخِذُ بمُضمَرِ الجُرم ما لم يُسفِر بقبحه للعلن.
* فهبني كُنْتُكَ واصطنعتُ عشيقاً في خيالي! أكنت تقبلٌها؟
– بالطبع لا!
* فلِمَ تُنكرُ عليَّ ما تبيحُ لنفسِكَ؟
– لأنني لم أجسر على أقتحام سريرتَكِ ولم أهتك -بٍنَزَقي- ستر ضميرِكِ.
* ربما نزغني – على غير وعيٍ مني – شيطانُ الفُضُول.
– بل بِمَلْكِكِ لا غِرة ولا عُنْوة، فلا سلطانَ له عليكِ ولا سبيل.
* أما وقد كان؟!
– تبقي تَبِعَةُ صرفِهِ عليكِ وحدكِ، وما أحسبُهُ منصرفا!
* بربِّكَ لا تُضيِّقْ واسعاً!
– لا تعلقي بمهتَرٍيءِ الأماني، ولا تشبَّثِي ببعيد المنال؛ فقد أوصدتُ بابَ حِلمي، وطلَّقتُ عفْوي طلقة بائنة!
* لا يزال متَّسعٌ لتطبيبِ الجرح.
= قد يجدي التطبيب فيبرأ الجرح؛ لكن يسيتبقى أثارا وندوباً!
* تعني أنَّكَ لن تغفرها لي؟
= تلزمٌك الكفارة!
* وما كفارتي؟
= تُقَاسٍمي فِيَّ شريكاً أثيراً إليَّ فتحظَيّ بواقعي، ويظفرُ منِّي بالخيال!
شقَّتْ بصرختِها جدران الكون:
* تعني ضُرَّةَ الخيال؟
= أجل، ضُرّة الخيال!
جريدة الوطن الاكبر الوطن الاكبر ::: نبض واحد من المحيط الى الخليج .. اخبارية — سياسية – اقتصادية – ثقافية – شاملة… نبض واحد من المحيط الى الخليج 