صفحة من تاريخ مصر أسواق القاهرة القديمة
البحر الاحمر : عمرو شرف
يعد سوق القصبة من اهم معالم القاهرة القديمة (شارع المعز لدين الله..حاليا
وبين القصرين سابقا….)
و التي لم يتبقى من المنشآت التجارية التي تعددت مسمياتها فمنها ما يعرف (بالوكالة أو القيسارية أو الخان وأيضاً منها الفنادق سوى عدد ضئيل نسبياً، أهمها، وكالة قايتباي قرب باب النصر ووكالة الغوري بجوار الأزهر وخان الخليلي بالجمالية) وتعد وكالة الغوري أحسن هذه المنشآت اكتمالاً وحفاظاً وهي تتكون من فناء واسع مكشوف تحيط به أربعة أضلاع من البناء، كل منها مكون من خمسة طوابق وكانت الأدوار السفلية مخصصة لعرض البضائع وتخزينها أما الأدوار العلوية فكانت معدة لسكن التجار الذين كانوا يجيئون من شتى أقطار الأرض.وقد كانت القاهرة منذ نشأتها مركزاً للتجارة العالمية، وانعكس ذلك على حركة البيع والشراء بها، فأصبحت أسواقها أكثر بقاعها ازدحاماً وضجيجاً و(خلال شهر رمضان كان الازدحام والتكالب على الحوانيت أكثر المظاهر إثارة وتشويقاً في أسواق القاهرة) خاصة وأن أهلها حسبما لاحظ الرحالة كانوا يشترون طعامهم مطهياً من الأسواق، واستمر هذا الوضع حتى مقدم الحملة الفرنسية في (نهاية القرن 18 م)
ويعزى ذلك إلى قلة (الوقود اللازم لعمليات الطهي بالمنازل وارتفاع أسعاره) ولا شك أن الفترة المحددة للإفطار، وهي لحظة الغروب، كان يسبقها تكالب وصخب يمتد إلى وقت السحور.
وقد أمدنا الرحالة المغربي (العبدري) بصورة حية لما كان عليه حال سوق بين القصرين في (أواخر شهر رمضان من عام 688 هـ) إذ صادفه سوء الحظ فنزل بالمدرسة الكاملية المطلة على السوق، فقال، رحمه الله كنت قلما أرقد إلا منغصاً لصياح الباعة وهم يبيعون طوال الليل وقلما يكون طعام الشريف منهم والوضيع إلا من السوق والطرق غاصة بالخلق حتى ترى الماشي فيها لا هم له سوى التحفظ من (روس الدواب) ولا يمكنه تأمل شيء في السوق لأن الخلق مندفعون فيها مثل اندفاع السيل. وقد ضاعت لي بها دابة بسبب الزحام. كان عليها شخصاً راكباً فتكاثر عليه الزحام حتى أسقط عنها، واندفعت في غمار الخلق ولم يمكنه التوصل إليها وهو يبصرها حتى غابت عنه و(كان آخر العهد بها)
هذا الصخب والضجيج كان يتوقف في لحظة واحدة إذا ما شعر التجار وعامة الناس بنزول المماليك إلى الشوارع للاقتتال، وكثيراً ما كان يحدث ذلك فيسرع أصحاب المتاجر
إلى إغلاق أبواب حوانيتهم
والهرب بحياتهم خلف أبوابها
الضخمة، وتتحول الطرقات
والدروب إلى مقبرة
للصمت المخيف