رسالة لن تقرأ

رسالة لن تقرأ
بقلم / عبده مرقص عبد الملاك سلامة
لا داع للإسراع فى البحث عن إسم المرسل ,فالخطاب كما هو واضح لا يحتوى على اسم المرسل و لا المرسل اليه ,و لكنه موجه اليك .
يؤسفنى إنى لم أبدأ خطابى بلقبك فأنا لا أعرف بأى لقب أخاطبك و لم أبدأه بتحية لأن ما بيننا – أقصد – ما كان بيننا لم يترك مجالاً للمجاملة .
نعم إن هذا الخطاب غريب فى شكله و مضمونه ,بالنسبة لأى قارئ و لكن ليس بالنسبة لنا ,و إذا بدا غريباً بالنسبة لك ,فلعلك نسيت أو تناسيت ما بيننا و ما كان .
إننى كنت مجرد ذرة فى المجرة ,و لكنك فى لحظة ,لا أعلم , كانت هفوة أو نزوة ,كرهاً و لا طواعية جعلت منى كرة ,شاء حظها أن تلتقفها أيدى حارس مرمى و يحتضنها ,فتشعر بالدفء و الأمان و الحنان و لكن هذا لم يدم طويلاً فقد إنتزعها لاعب من بين يديه ,لترتطم بالأرض و ينخرط الفريقان بدون هوادة فى جعلها بغيتهما , و أصبحت تركل بالأقدام بقسوة و تتمرغ فى الطين و التراب , و كل فريق يمنى نفسه بالفوز بها متناسين مشاعرها و أحاسيس و لا يعنيهما أن تتمزق و أن يتمزق جمهور المشاهدين
هل أدركت ما أعنى ؟
عموماً ,أنا لم أوقع الخطاب بإسمى لأننى كنت و صرت ,ولذا لا أنت و لا أنا أعرف من أنا ,
فكل ما أعرفه إننى كنت أسبح فى شرنقتى و أتمتع بالبقاء فيها و أنعم فيها بالسلام و الأمان و الدفء،و أننى مندهش إذ كيف تم الإحتفاظ بى طوال هذه المدة الطويلة من الزمن دون أن ينكشف سرى وأكون عرضة لأن تلتهمنى الحشرات ، و ليت تم وأدى و أنا فى الشرنقة
أما عدم مخاطبتى لك بلقب فهذا لأننى لا أعرف من أنت ,هل أنت فتاة و لا إمرأة ,و لا أنثى
أنا لا أعرف أين أنت الآن ,و لكن واثق ,إنك تمارسين حياتك بكل أريحية و تنعمين بحياتك ,و لعلك نسيت …
كان من المفروض أن أخاطبك و أناديك بلقب يشرف كل سيدة و تطمح له كل فتاة و لكنك مرغت هذا اللقب فى الوحل و لذا فلسانى لصق بسقف(حنكى ) فمى ,فلم أناديك ,كما يفعل أترابى و هم فرحين, فكل منهم له أم يفخر بها ,و كل أم لها إبن تقر عينها به ,أما أنت فشتان بينك و بين ذلك الشعور .
و إذ إننى لا أدرك تداعيات الأحداث، هل أنا وليد صدفة أم حادثة ،أى كان فأنا واثق من إنتمائك لعائلة كبيرة و محافظة و لذا إحتفظت بى كل هذا الوقت دون الخوف من مغبة أشياء تحدث فى مثل هذه الأحوال ،أو إنك كنت ممثلة بارعة ،أجادت فى أداء دورها لدرجة إنها خدعت المخرج و الجمهور
على كل حال ،
أعتقد إنه لديك علم بمجريات الأحداث و ما آلت إليه حالتى ،و دفعى فاتورة حساب لا أعلم عنها شيئاً ،بجانب هذا الشرخ الذى نجم فى المجتمع جراء تلك الفعلة النكراء ،
و مهما تواريت خلف السحب أو الجبال فشمس الحقيقة ستشرق يوماً ،
لذا آن الأوان لاماطة اللثام و هذا ليس تضحية بل هذا هو التصرف المنطقى ،و لا أقول الإنسانى ،لأنه على ما يبدو فأن هذا التعريف لا يحظى به سوى البؤساء و المعدمين .
إنك أنكرت و تنكرت عدة مرات و تخليت عن دورك و مسئوليتك ،و أعطيت لضميرك أجازة مفتوحة ،و عندك أمل أن تحل المشكلة من تلقاء ذاتها،و هذا فعلاً ما حدث فى الفصل الأول من قصتى ، فقد قدر لى أن أحظى بأم حقيقية عشت فى كنفها أميراً متوجاً هى و أبى و هذا جعلنى أحب الناس و الحياة و جعلنى أحلم كثيراً،بعد ما أنكرتنى من أنجبتنى ،لست أدرى خوفاً على سمعة عائلتها أو خوفاً من التضحية و التى تعتبر من سجايا الأمومة ، ألم تشعرى بعد فرط حملك بما تشعر أى أم سواء من عالم الحيوان أو الإنسان ، لما لم تتخلصى من فعلتك فى بداياتها ؟ لما قذفت بى للحياة ؟ ليتك وأدتينى أو تركتينى فى الصحراء لأموت من الجوع و تقلبات الجو , أو ليتك تركتينى فى غابة بين الحيوانات المتوحشة ,لعل إحدى الحيوانات تكفلت بى مثلما حدث مع طرزان و صارت لى أماً و أنا لها إبناً ,و كان كل الشرف لى أن أنتسب لها أو يطلق على إبن الغابة .
و لست أدرى ما موقف شريكك فى هذا الغرس الذى نبت و أثمر ،سبحان الله ،كأن كلاكما معدن واحد،
هل أورثتنى سؤ الحظ ،فبعد أن كانت لى أسرة ،أصبحت ضائعاً ،لقيطاً ، هل تدركين فظاظة هذا اللقب ؟ لقد وصمت به بسببك؟ ليتنى كنت يتيم الأبوين لكنت فى حال افضل
ماذا تنتظرين ؟ أما آن الأوان لأن تضعى الأمور فى نصابها ؟
يمكنك – بما تتمتعين به – من مقومات أن تلجأى للجهات المختصة و تطلبين منها الحفاظ على سرية هذا و تسردىن الحقيقة ،لعل الله يرضى عنك،و أنا كذلك ،
لن أعتذر عن عدم مخاطبتك ،بأمى أو والدتى ،لأننى صنيعتك و صنيعة الشيطان الذى أغواك
أنا أدرك أن هذه الرسالة لن تحرك فيك ساكناً و لذا فإننى أفوض أمرى لله
المرسل
لست أدرى من أنا
و إذا كان الشئ بالشئ يذكر
فإننى وجدت بين اوراقى القديمة خواطر ساذجة بالعامية ,كتبتها و أنا بالصف الثانى الإعدادى بعنوان
اللقيط
و إكتملت المحزنة …لما سألونى مين أنا ؟
و من إمتى هنا ….و إيه اللى ورثته و مين جدنا
و أبوى مين …و أخواتى …و تبقى مين أمنا
بكيت و الدمع كان دمى أنا
ضحكت و الضحك أكبر مهزلة
نار فى ضلوعى جففت دموعى
و بقيت حالى بالبله
ياما سمعت لغط و شوشرة و بلبله
إبعدوه … ده مش مننا
ده لازم يمشى من هنا
ده لقيط لقيه عمنا
و عرفت مر الحقيقة ..لا أب لى أنا
طب و ماله ..لكن و مالى أنا
داحنا عمرنا ما أخترنا أبونا و لا أمنا
و لا إسم أبوى حيأخر مرحلة و لا يحل المسألة
و أنا مالى بأصلى أنا
إذا ما كانش لى يد فيه أنا
يا أخوانى ,أرحمونى و خففوا الألسنة
دانا أخوكم من بدء الساعة و حتى نهاية العمر
و لو كان مليون سنة
تحياتى
1974
عبده مرقص عبد الملاك

شاهد أيضاً

دعامات القيادة بقلم محمد تقي الدين

دعامات القيادة بقلم محمد تقي الدين القيادة درب العظماء يسعى إليها كل عظيم لكن هيهات …