رحيلُ الأحبة
رحَلَ الأحبةُ فالعُيونُ أوارُ
ودماؤنا بِعيونِنا فوّارُ
ووجوهُنا طيَّ العذابِ شواحبٌ
ليلٌ طغى فيها ومات نهارُ
وضلوعُنا مثلَ الديارِ خرائبٌ
وقلوبنا بين الضلوع قفارُ
فالموتُ يطحنُنا على أضراسهِ
وحشٌ رهيبٌ قاتلٌ عدّارُ
ملكٌ قويٌ عابثٌ بحياتنا
يقضي وما لقضائه معيارُ
وبدون ذنبٍ انت محكومٌ ولا
جدلٌ، فليس مع القضاء حوارُ
كلٌ الأنام نعاجُهُ في غابهِ
وقرارهُ لا ليس منه فِرارُ
قدرً يلاحقنا لآخر نكبةٍ
سوداءَ فيها تنتهي الأعمارُ
حكمَتْ علينا منذ كان وجودنا
بنهايةٍ فيها النحيب شعارُ
بنهايةٍ صفراءَ تقذفُ سمَّها
بعروقنا وإذا بنا ننهارُ
كلٌ الصِّغار كما الكبارِ فريسةٌ
للدَّهر غداراً ، فلا إنذارُ
أرواحُنا بيد الزّ مانِ رهينةٌ
فيها تنفِّذ حكمها الأقدارُ
رحل الأحبَّة فالديار كئيبةٌ
تبكي على احبابها الأحجارُ
رحلَ الأحبةُ فالسماءُ جريحةٌ
نزفت على أهلِ التُّقى الأمطارُ
رحلَتْ شموس أحبَّتي عن أعيني
فلما العيون وقد خبت أنوارُ؟
بدأَتْ حياةٌ بالبكاء كما انتهت
مجبورةٌ ومرادُها الإجبارُ
فأحبَّتي وقعوا بِمِصْيَدةِ الرَّدى
ووجوههم منها النجوم تغارُ
وقرى المحبَّة أظلمتْ وعلى جفو
نِ الشمسِ من دمعِ القرى أنهارُ
رحلَتْ ورودي واختفتْ بعبيرَها
والفصلُ باكٍ ما له أزرارُ
والياسمينُ تطايَرتْ أوراقه
أقلامه ليست لها أخبارُ
جدرانُ بيتي مزَّقتْ أثوابها
وتصدَّعت إنَّ البيوت دمارُ
وجرارُنا مثلَ القلوبِ تحطَّمتْ
عطشاً هوَتْ فتناثر الفخارُ
وعريشةٌ فوق السطوحِ عليلةٌ
فرغت يداها مابها أثمارُ
لكنَّ عنقودا بدا في حضنها
يشوي ويعصر قلبه التذكارُ
عنقودُ داليتي فؤادٌ نازِفٌ
دمُهُ على وجناتِهِ مدرارُ
وبجنبِ داليتي المُصابَةِ تينَةٌ
يَبِسَت فَهَمَّ بأكلِها المُنْشارُ
فهوت على كتف السِّوار تضمُّه
وجعاً فتمسح جرحها الأسوارُ
آذان شبّاكي التي طربت بهم
قد دوَّنت ما قاله السُّمَّارُ
هذا هو الشُّبّاك ياأمي الذي
عنه ابتعدت وغابت الأنظارُ
عيْناهُ غارِقتانِ في بَحْرِ الأسى
للْعنكبوتِ على مداهُ سِتارُ
شبّاكُنا مازالَ في خَلَواتِهِ
ولَدَيهِ في خَلواتِهِ أعْذارُ
فتَحَتْ سَنَونوةٌ نوافِذَها بِهِ
فَلَها بِبَهْوِ الرّاحلينَ مَزارُ
هذي بُيوتٌ أمْ قبورُ احبَّتي
وأزورُها انَّ القبورَ تزارُ
ماذا أقولُ متى وَصْلتُ لِحَيِّنا
إذْ ليس فيه أهلُنا والجارُ؟
أأصيحُ أمي أم أنادي والدي
وبحيِّنا كلُّ البيوتِ غبارُ؟
ينْهالُ دَمْعي بلْ أغصُّ بمِلْحِهِ
والقلبُ جمرٌ والعيون شرارُ
للأم تنور عليه أحرقت
أرْتالَ جوعٍ كلُّها أخطارُ
ولها على خصْرِ الطَّهارةِ مِئْزرٌ
ماهزَّهُ خوْفٌ ولا إعْصارُ
ورغيفُ أمي بالمحبَّة مُثْقلٌ
والزَّيتُ مَجْبولٌ بهِ والغارُ
ولَكَمْ سَقَتْ وَرْداً فزادَتْ رَوْنَقاً
فتذمَّرت منها الورودُ تغارُ
للوردِ بهجتُهُ على وجناتِها
ذبُلَتْ على وجناتِها الأزهارُ
فاسودَّ قلبُ الصّاج تحتَ رَغيفِها
يَشْكو الصَّقيعَ فملَّتِ الاحجارُ
وتشقَّقت وتفتَّقت وكأنَّما
قدْ جدَّ فيها ينْحَتُ الحفّارُ
ولوالدي عند الخزانةِ دفترٌ
للذِّكرياتِ مُكبَّلٌ مُحتارُ
وحلاوةٌ في صَوتِه أحببْتُها
فمتى يغنّي تنتشي الأسْحارُ
وإذا دعا الرَّحمنَ في صلَواتِهِ
يومَ الجَفافِ فتهطلُ الأمطارُ
لكنَّما شمسُ المجاهدِ أغْرَبَتْ
رَحلَ الضِّياءُ وودّعَ الأطهارُ
وقميصُهُ الثَّلجيُّ بات حمائماً
أسرابُها هَجَرتْ وحلَّ غُبارُ
قدْ أُلبِسَ الثوبَ المعفَّر بالنَّدى
والحزنُ فوق جبينِهِ زنّارُ
ولوالدي بينَ العقاربِ ساعةٌ
قدْ بات يحملُ عبئَها المِسْمارُ
نادَتْ فما سَمِعَ المناضلُ صوْتَها
سقَطَتْ تئنُّ وكلُّها أسرارُ
منديلُ أمّي كَمْ تراقصَ فرحةً
يومَ القطافِ ودَنْدَتْ أوتارُ
زيتونةٌ قدْ أسْدَلتْ أغصانَها
فتزاوجَتْ بذيولِها الأطيارُ
لكنّها مالتْ على خدِّ الثَّرى
تحنو على من في الثّرى قدْ صاروا
مثلي على الأحبابِ ذابَ فؤادُها
وحنينُها للأهلِ ليسَ يعارُ
من جرحِ عاطفتي سكَبْتُ قصائدي
بدمِ العواطفِ تُكْتَبُ الأشعارُ