راقصة الفلامينكو
الجزء الرابع
بعدما قابلت ديانا الوفد الفرنسي في سلمنكا، سافرت هي وفرقتها إلى إيطاليا…قدمت الفرقة عروضاً في روما ونابولي، وفينيسيا ونجحت الفرقة في اشعال حماس الحضور، بدليل التصفيق الحاد بين الفقرة، والفقرة…
كل الأمور كانت طبيعية عدا حالة ديانا التي كانت ترقص وتعاتب ذاتها كيف تركت حبيبها نائما في الفندق بعد ليلة حب حارة، وانسحبت مشياً على رؤوس أصابع قدميها، منسحبة من الغرفة، دون أن تترك له عنوانها أو حتى رقم هاتفها، كل ما كتبته كلمة واحدة احبك.
آنذاك في الثمانينيات لم يكن الهاتف الجوال منتشرا بعد في اسبانيا، وحتى هي لم تترك له رقم هاتفها الأرضي لأنها غالبا لا تتواجد في مكتبها، لا هي ولا فرقتها…
انهت الفرقة حفلاتها في ايطاليا، وانتقلت إلى فرنسا، وبعدها على الأغلب ستوقع عقودا جديدة مع لندن، كما هي متفقة مع الإنكليز، الذين تواعدوا معها على اللقاء في باريس عاصمة النور كما يسمونها…
في فرنسا، رقصت الفرقة على أعظم مسرح في باريس، وأدت أدوارها بنجاح حسب البرنامج المقرر، وكان التصفيق لا يتوقف، بين المقطع والمقطع… والجمهور يطلب المزيد. ويصيح (أنكور، أنكور) بمعنى أيضا، أيضا، في ذلك العرض لبت ديانا طلب الحضور وأخذت ترقص بمفردها بناء على رغبتها، وكانت تقول بذاتها، هذه الرقصة هدية إلى حبيبي مسعد…وأرادت أن تكون تلك الهدية قمة في الجمال،
وفعلاً، اندهش الحضور من روعة الرقص، وحتى فرقة ماريا بالذات اندهشت من هذا الأداء الجديد، أداء لم يرونه سابقا… كان مزيجاً من الرقص التعبيري الأوبرا، والفلامينكو الإسباني، والرقص العربي الأصيل، تعبت وهي ترقص وأخذ العرق يتصبب من جبينها وجسدها، وكانت تزداد حماسة تحت التصفيق الحاد، الذي أبهر الجميع…
كانت ترقص وتحاكي ذاتها يا ليت حبيبي هنا ويشاهدني لأنني ارقص له وحده…دائما تعاتب ذاتها كيف تركت حبيبها الذي عشقته حتى الثمالة، وركبت سيارتها تحت جنح الظلام، وسارعت لملاقاة الوفد الفرنسي في سلمنكا. ذاك الوفد الذي كتبت معهم العقد، وبموجبه ترقص الآن على مسرحهم.
كانت تقفز في الهواء برشاقة الفراشة، وتدور دورة كاملة في الهواء أجمل حركة ممكنة، لكن دورتها الأخيرة لم تكتمل، وسقطت على الأرض مغمى عليها…
جاءت سيارة الإسعاف وحملوا ديانا، وركبت صديقتها ماريا كمرافقة لها، ولحق بهما جميع أعضاء الفرقة إلى المستشفى
وكانوا خائفين ومتسائلين وأقنعوا ذاتهم بان السبب هو الجهد الكبير الذي رقصت به لأول مرة بهذه الروعة، وبهذا المجهود الصعب…
لكن عندما دخل الطبيب، وابتسامة عريضة على شفتيه، وقال مبروك يا ديانا أنت حامل…
ذهل الجميع استغراباً، وسألوا الطبيب هل يمكن أن يكون هناك احتمال خطأ في التحاليل؟
صعقت ديانا وطلبت من الفرقة أن ينهوا العقد مع الفرنسيين ويعودوا إلى سلمنكا بدونها لأنها مرهقة.
وطلبت ديانا من ماريا أن تبقى معها في باريس حتى تعيد ترتب أفكارها وتعيد التوازن لأفكارها الذي أحدثه خبر الحمل.
وصرحت بأنها تغلي لدرجة البركان الذي لخبط كيانها…
قررت ديانا الذهاب إلى مزار العذراء في لورد، الكائن جنوب غرب فرنسا في سفوح جبال البيرنيه. وقالت سأتوسل للعذراء مريم أن تسامحني، وتغفر لي خطيئتي…
قالت ماريا: انصحك بالإجهاض وتعودين لحياتك الطبيعية.
قالت ديانا: هذا هو المستحيل، هذا ابن مسعد، هذا ثمرة حب لن يتكرر ابداً، ومن ناحية أخرى الإجهاض جريمة بكل المعاني… لا يا ماريا. هذا مستحيل. مستحيل
بعد زيارة مزار القديسة ماريا في لورد، قررت ديانا الذهاب إلى سورية حتى تلاقي حبيبها…
قالت ماريا: ربما مسعد لا يتعرف على هذا الحبل
قالت ديانا: مستحيل هذا، أنا متأكدة بأن مسعد يحبني وهذا الحب الكبير الذي ربطنا، وأخلاقه العالية يمنعانه من تصرف كاذب…
قالت ماريا: وكيف تذهبين إلى سورية وأنت لا تعرفين إلى مسعد عنوان؟
قالت ديانا: مسعد كان في مدريد موفد من أجل مؤتمر للطيران المدني، هذا يعني، إنه ذو منصب جيد في الشركة، وحتما الجميع يعرفونه…
قالت ماريا: يبدو لي إنك أخذت القرار النهائي. أذهبي برعاية الله…
قالت ديانا لا، لن أذهب وحدي، انت ستذهبين معي إلى سورية، لن أقبل منك اعتذار.
في اليوم التالي تم حجز تذاكر طيران، وحجز فندقي في فندق المريديان في دمشق…
وطارتا، كانت كتلة من النار تتأجج بداخل ديانا وهي تفكر كيف ستقابل حبيبها، وكيف ستخبره بأنها حامل منه، وكيف سيقابل هو الخبر؟
اشتهت ديانا السيجارة، كانت تسحبها، تشمها وتكسرها وتقول لا يجوز التدخين وأنا حامل. وكانت تنظر إلى مكان المدخنين المكان الذي وحذ قلبها مع مسعد، وتبكي…
كاتب القصة: عبده داود
إلى اللقاء بالجزء الخامس
الحلقات الماضية تجدونها على جدار صفحتي الرئيسية