أخبار عاجلة

ذاكرة طفلة

ذاكرة طفلة

وأنا أتصفح صور المسيرة الخضراء على Google، أدمعت عيناي وتحركت بداخلي مشاعر وأحاسيس عادت بي إلى 1975، سنة المعجزة والمجد والبطولة، التي نقشت في قلوب وعقول المغاربة، بل العالم بأسره، وتورث النقش يحفر الاعتزاز والفخر في صدور الأجيال جيلا بعد جيل ..

كنت طفلة، وكان يوم ذكرى مولدي 16 أكتوبر حين أعلن جلالة المغفور له الحسن الثاني في خطاب مراكش، عن المسيرة الخضراء، وحين فتحت مراكز تسجيل المتطوعين ذكورا وإناثا ..

لا ولن أنسى تلك اللحظات المليئة بالفرح والبهجة ونحن الأطفال نركض في الشوارع نحو مراكز التسجيل ونندس في حشد المتطوعين نستمع أحاديثهم بين فرح بالقبول ومستاء للرفض لأنه مريض أو معاق .. مازلت أشعر بتلك الحرارة تدفيء قلبي وتلك الحماسة وذلك الحبور .. لحظات مترسخة تزداد اتضاحا وقيمة مع مرور الزمن ..

لم نكن نفهم ما يحدث آنذاك، لكننا كنا نحس أنه أمر جلل .. كأنه العيد، أو كأنه عرس كبير ترقص فيه المشاعر على إيقاع الوطنية الصادقة .. كل ما يحسه الكبار، كنا نحس به ونتذوق طعمه المختلف والرائع جدا ..

ليلة الانطلاق نحو مراكش، لم ننم، الكل كان يستعد .. المتطوعون يتأهبون لأداء الواجب الوطني .. والأهل والأحباب يتهيأون لتوديعهم .. يصنعون أشهى الأطعمة والحلويات .. يحضرون التمور والمكسرات .. والنساء يتخضبن بالحناء .. ويطلقن الزغاريد لمباركة 35 ألف متطوع ومتطوعة من مدينة الدار البيضاء زفوا أنفسهم إلى وحدة الوطن ..

صبيحة يوم تلبية نداء المسيرة الخضراء، كان الناس متراصون على جنبات الطريق، يحملون المصاحف والأعلام واللافتات وصور جلالة الملك الحسن بن محمد بن يوسف، ينتظرون مرور شاحنات المتطوعين القادمة من مراكز التطوع، لتقصد بنظام وانتظام مدينة مراكش كنقطة أولى للتجمع نحو محطة العبور ..

إنه حقا حدث عظيم بكل أجوائه وجزيئاته .. الأمهات والدموع تكحل عيونهن لفراق الإبن أو البنت أو الزوج او فرد من العائلة أو الجيران .. والأطفال والفرحة تشع من مقلهم يتنططون هنا وهناك .. فكل ما هو مختلف وحميمي يفرح الأطفال ..

كانت البراءة والمحبة والصدق والبذل والوطنية تجمعنا .. وكذلك الهيبة والوقار والاحترام، فكلها سمات تجعل العلاقات قوية وذات قيمة عالية ..

منذ ذهب المتطوعون ونحن نجتمع أمام التلفاز نتابع مراحل تقدمهم من كل أنحاء المغرب، بل كل أنحاء العالم .. فقد تطوعت وفود شقيقة وصديقة، عربية وغربية، للمشاركة في المسيرة الخضراء المظفرة .. مسيرة العصر السلمية .. مسيرة أمة وشعب، التي أنجبت مسيرات للتنمية والتقدم واستمرارية النضال ..

كانت طانطان بوابة العبور ومنها تلقى، 350 ألف مغربي ومغربية، الأمر باجتياح الاراضي المغتصبة يوم 5 نونبر 1975 .. ثم كان السجود على أرضنا المحررة وصلاة الشكر ومباركة زفاف الصحراء المغربية إلى المغرب الحبيب يوم 6 نونبر 1975، بأن رفعت الراية الحمراء التي تتوسطها نجمة خضراء على أول بناية بعد تحطيم الحدود الوهمية لتؤكد مغربية الصحراء ..

ارتفعت بعد عام من ذلك راية الحرية خفاقة في سماء العيون في 28 فبراير 1976، إيذانا بالنصر والقضاء على الاحتلال الاجنبي بربوع الصحراء المغربية .. ثم تلاها استرجاع إقليم وادي الذهب في 14 غشت 1979 ..

كان النصر حليفنا لأن الصدق والإخلاص والإيمان زكى المجازفة وأرهب العدو الذي كان يهدد بإطلاق النار، لكنه انتهى بالانسحاب من التراب الوطني ” الصحراء المغربية ” ..

لم تكن تلك المسيرة عادية، وربح الرهان لم يكن سهلا .. كانت معجزة انبثقت عن عشق لا يساوم .. بل كانت باكورة التحام الملك والشعب .. ثقة الملك في الشعب وثقة الشعب في الملك يربطها الإيمان الحق والإيمان بالحق ..

رحم الله الحسن الثاني ” الملك الأسطورة ” الذي جعلنا نفتخر أننا مغاربة .. وأرغم العالم على احترامنا .. ذلك الأسد الذي مازال زئيره يرعد أرجاء الصرح السياسي .. ذلك المدرسة التي مازال وسيظل كل القادة ينهلون من علمها وتجربتها وحنكتها ..

هؤلاء هم المغاربة وتلك هي سنتهم في معانقة العرش والبقاء على العهد .. يجتمعون على كلمة سواء هي شعارهم الخالد الله الوطن الملك ..

فاطمة امزيل سفيرة المحبة

شاهد أيضاً

مليحةُ الحسنِ

مليحةُ الحسنِ إلى الأخ العزيز خالد هنيدي حسين مليحةَ الحسنِ والتَثَنّي ملكتِ قلبي مذْ غِبتِ …