بقلم: عماد نويجي
في مشهد لا يمكن تفسيره إلا على أنه قمة في التشويش الفكري والانحراف عن جوهر القضية الفلسطينية، أعلن اتحاد أئمة المساجد في الداخل الفلسطيني عزمه تنظيم مظاهرة يوم الخميس المقبل، 31 يوليو 2025، أمام السفارة المصرية في تل أبيب، احتجاجًا على سياسات القاهرة تجاه قطاع غزة.
الدعوة، التي خرجت من منابر دينية يُفترض أنها منابر وعي وترشيد، تطرح تساؤلات عميقة حول الغاية الحقيقية منها، وتكشف عن مدى خطورة انزلاق بعض الأصوات إلى مربعات تخدم روايات الاحتلال أكثر مما تخدم القضية الفلسطينية.
إن أن تُوجَّه مظاهرة ضد مصر – الدولة العربية التي خاضت أربع حروب دفاعًا عن فلسطين، واحتضنت ملف المصالحة، وسعت مرارًا لحقن الدماء، وتتحمل حتى اليوم عبء إدارة معبر رفح وتداعيات الحصار – فذلك ليس سوى انحراف سياسي وخلط مريع بين العدو والحليف.
الخطير في الدعوة ليس فقط مضمونها، بل مكانها وتوقيتها. فهي صادرة من داخل إسرائيل، التي تغتصب الأرض وتقتل الفلسطينيين، وتُنفذ عدوانًا يوميًا على غزة والضفة، لتُوجَّه ضد مصر – لا ضد الاحتلال. وكأن المعركة أصبحت ضد من يسعى للتهدئة، لا ضد من يشعل النار كل يوم!
ثم تأتي الصدمة الأكبر: أن من يقود هذه الدعوة هم أئمة المساجد! أئمة يُفترض أن يكونوا مرشدين للناس إلى الحكمة، لا محرضين على الفُرقة، وأن يكونوا حراسًا للوعي لا أدوات لتأجيج الغضب الشعبي في الاتجاه الخطأ.
لا شك أن الفلسطينيين يعانون، ولا جدال في أن هناك انتقادات يمكن توجيهها لسياسات هنا وهناك، لكن أن تتحول هذه الانتقادات إلى مظاهرة أمام سفارة عربية في قلب عاصمة العدو، فذلك تجاوز لكل الخطوط الحمراء الوطنية والدينية والسياسية.
مصر ليست خصمًا. مصر بوابة فلسطين، ومتنفسها، وداعمها في المحافل الإقليمية والدولية، حتى وإن اختلفت التقديرات أحيانًا أو ضاقت الخيارات. لكن لا يمكن تحت أي ظرف من الظروف أن نُعيد رسم خارطة الأعداء والحلفاء بناءً على شعارات انفعالية أو توجهات مغرضة.
الاحتلال هو العدو. هذا هو الثابت الذي لا ينبغي أن يُمسّ، وأي تشويش على هذه الحقيقة يخدم – وبكل وضوح – مصالح إسرائيل، التي طالما راهنت على تفتيت الصف العربي وتشويه صورتها على لسان أبناء القضية أنفسهم.
ما نحتاجه اليوم هو إعادة وعي، لا إعادة توزيع للغضب. نحتاج أصوات أئمة تدعو للوحدة، لا إلى مظاهرات تخدم الإعلام العبري أكثر مما
تخدم أهل غزة