دراسة تحليلية لرواية “عندما ينبض الماضى
حنان عبدالله هشي
“صدرت رواية “عندما ينبض الماضي” للكاتب/محمود سيد
وهذه الرواية هي الإصدار الخامس له فلقد صدر له أربعة دواوين “تغاريد الحب” صادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة عام ٢٠٢٠و”همسات البنفسج”عام ٢٠٢١ والفجر المولود “عام ٢٠٢٢ وديوان”أطلال على ضفاف الخريف ” ٢٠٢٣
ولد الشاعر محمود سيد محمود شحات بمدينة القصير بمحافظة البحر الأحمر ١٦فبراير عام ١٩٧٤
تعد رواية “عندما ينبض الماضي” من الروايات الرومانسية صدرت عن دار الباسل للنشر والتوزيع عام ٢٠٢٤
تدور أحداث الرواية في ثلاث مدن “القصير. الغردقة. أسوان”
وهي تجسد كفاح شاب يدعى “منتصر”غرق والده وتركه وحيدا يعاني آلام الفراق والفقر ثم يصمد ذلك الشاب حتى يصل إلى مبتغاه وتجسد الرواية قصة حب للبطل تنتهي بوفاة البطلة ولكن يبقى ذلك الحب عالقا في ذاكرته فلا يغيب عن أبدا.
وفي إطار ذلك كتب الناقد والؤلف الدكتور/طه حسين الجوهرى دراسة نقدية عن رواية “عندما ينبض الماضي “والتى بمعرض القاهرة الدولى للكتاب
الدراسة :
عندما ينبض الماضي: سيمفونية حب تتراقص على أوتار الزمن
رغم أن الصديق العزيز، الشاعر المرهف والمبدع محمود سيد، قد أهداني منذ زمن بعيد باكورته الأدبية الأولى “عندما ينبض الماضي”، فإن أعباء الحياة ومشاغلها حالت دون أن أمنح هذا العمل الوليد حقه من التأمل والقراءة في حينه. واليوم، وقد تهيأت لي الفرصة لأغوص بين دفتي هذا النص، وجدتني أمام عالم أدبي يفيض بالعمق والصدق، وشاعرية تتسلل من بين السطور كما يتسلل الضوء بين أغصان الشجر، فتترك أثرها في النفس وتعيد تشكيل الوجدان.
ما شدني في هذا العمل ليس فقط كونه رواية تستند إلى حبكة يحاول الكاتب ان تكون محكمة وأحداث مشوقة، بل تلك اللغة الفصيحة، البسيطة الخالية من التعقيد، التي تمسك بيد القارئ منذ الصفحة الأولى ولا تتركه حتى النهاية. إن محمود سيد، الذي اعتدنا على متانته اللغوية في قصائده المبدعة، قد نتخلى عن هذا الثراء اللغوي والبلاغي في الرواية وتعمد ان يخاطب القارئ العادي بلغة بسيطة يفهما من القراءة الأولى ، ليصوغ نصًا أدبيًا يمتزج فيه جمال الأسلوب بعمق الفكرة، فتتجلى الرواية كلوحة أدبية نابضة بالحياة.
رواية “عندما ينبض الماضي” للشاعر محمود سيد هي أكثر من مجرد سرد لعشق البطل وحكاياته، إنها لوحة أدبية تنبض بالحياة، تخطها ريشة مليئة بالشجن والأمل، وتُبرز جدلية الزمن بين الماضي والحاضر، بين الحب الأول ونضوج المشاعر مع مرور الأيام.
يتلاعب الكاتب بالزمن مستخدما لعبة الحذف والتقديم والتأخير
منذ الصفحات الأولى، يلعب الكاتب بتقنيات السرد الزمني بأسلوب يشبه حكايات الأجداد التي تتداخل فيها الوقائع دون ترتيب منطقي، لكنه في ذات الوقت يحكم قبضته على الحبكة، ليأخذ القارئ في رحلة إلى مدن القصير، أسوان، والغردقة.
• الزمن الماضي: ينبض بكل تفاصيل الحنين والألم، حيث يبرز تعلق البطل بوالده، الصياد الذي يشكل رمز الكفاح والحكمة. هذا الزمن ليس مجرد خلفية، بل شخصية متحركة تؤثر في البطل وتشكل وجدانه.
• الزمن الحاضر: حيث تتطور الأحداث وتنضج مشاعر البطل، لكن الحاضر لا يكتمل إلا بانعكاسات الماضي وندوبه العالقة.
• التأخير والتقديم: يخلق الكاتب غموضًا مقصودًا، إذ تظهر الفتاة القريبة التي تكن للبطل حبًا دفينًا كظل يطارد البطل دون أن يدرك هو مدى صدق مشاعرها.
يقدم الكاتب فضاء مكانيا مبهرا: مدن تتنفس الحب والحنين ابرزها
• مدينة القصير: تأتي كالمهد الأول لحياة البطل، حيث البحر يُصبح استعارة للمجهول وللأحلام المجهضة. هنا، يُبرز الكاتب صراع الإنسان مع القدر، والبيئة القاسية التي تزرع في قلب البطل عزيمة لا تقهر.
• أسوان: تظهر كمدينة النور والحب العذري، حيث يقابل البطل الفتاة التي تهز أوتار قلبه لأول مرة. يُصور الكاتب جماليات المكان بروح عاشقة، حيث تبدو أسوان كأنها لوحة مشبعة بالألوان الدافئة.
• الغردقة: تأتي كمرحلة فاصلة بين الحلم والواقع، حيث يتقاطع فيها الزمن العابر مع نضوج المشاعر، ليطرح الكاتب سؤالاً عميقًا عن طبيعة الحب واستمراريته.
تدور الرواية حول جدلية الحب: عذرية المشاعر أم ولادة العشرة؟ فتُقدم الرواية رؤيتين متقابلتين للحب:
1. الحب العذري: يتجسد في علاقة البطل بالفتاة التي قابلها بعيدًا عن مدينته. هذا الحب مثالي، يحمل في طياته نقاء المشاعر وصفاءها، لكنه أيضًا هش، يتأثر بالزمن والمسافة.
2. حب العشرة والزمن: يتمثل في الفتاة التي أحبته بصمت منذ الصغر، والتي تؤمن أن الحب الحقيقي هو الذي ينمو مع الأيام ويتحدى الظروف.
• هنا، يطرح الكاتب سؤالاً وجوديًا: أيهما أصدق؟ الحب الذي يولد دفعة واحدة كوميض البرق، أم ذلك الذي ينسج خيوطه بصبر وهدوء عبر السنين؟
يقدم الكاتب شخوص الرواية من خلال لوحة فسيفسائية غنية بالعمق النفسي حيث
• البطل منتصر: يحمل اسمه دلالة رمزية، فهو ينتصر على جراحه لكنه يظل أسيرًا لصراعاته الداخلية. أحزانه تُغلق قلبه عن الحب، لكنها في الوقت ذاته تجعله أكثر إنسانية وعمقًا.
• الفتاة القريبة: هي رمز الصبر والإخلاص، تبدو كظل دائم في حياة البطل، لكنها تظل غائبة عن إدراكه حتى اللحظات الأخيرة.
• الفتاة البعيدة: تُجسد الحلم، العشق العذري الذي ينقل البطل إلى عالم من السعادة المؤقتة، لكنه يكشف هشاشة العلاقات التي لا تستند إلى جذور عميقة.
لغة الرواية تُحلق بجناحين:
1. الشعرية العالية: حيث تنساب الكلمات كأنها أغنية، تحمل القارئ إلى عوالم مليئة بالصور البلاغية والاستعارات التي تلامس الوجدان.
2. البساطة الحكيمة: رغم عمق المشاعر، فإن الكاتب يتجنب التعقيد، مما يجعل الرواية قريبة من القارئ العادي دون أن تفقد قيمتها الأدبية.
تقدم الرواية مجموعة من القيم والرسائل للقارئ تدور حول
الإيمان بالقَدَر:حيث يُبرز الكاتب كيف تُشكل الأقدار مسارات حياتنا، حيث يُبعدنا الحلم عن مكانٍ لنجد الحب في مكانٍ آخر.
والنضج العاطفي حيث الرواية ليست فقط عن الحب، بل عن فهم البطل لنفسه ولمشاعره، وكيف يمكن للزمن أن يكون الشافي والمرشد.
• الحب كطريق للخلاص: الحب في الرواية ليس فقط شعورًا عابرًا، بل وسيلة لفهم الذات والعالم.
“عندما ينبض الماضي” ليست مجرد رواية رومانسية، بل مرآة تعكس تعقيدات النفس البشرية وصراعها مع الحب والزمان والمكان. إنها محاولة جادة من الشاعر محمود سيد للتعمق في أغوار النفس والمجتمع، مقدّمًا عملًا فنيًا ينقل القارئ بين الحنين والشوق، بين الواقع والحلم، ليظل السؤال قائمًا: هل ينبض الماضي حقًا، أم أننا نحن من نعيد إحياءه؟