حين يبدأ النور من بين الركام

حين يبدأ النور من بين الركام

بقلم/ نشأت البسيوني 

بعد كل ليل طويل هناك خيط ضوء خجول يطل من خلف ستائر العتمة لا يصرخ لا يعلن حضوره بل يتسلل برفق كأنه يخشى أن يوقظ الجراح كنت أظن أني انتهيت أن لا فجر بعد هذا السواد لكنني اكتشفت أن في القلب بقية من حياة لا تموت وأن الله يبعث النور حتى في أكثر اللحظات وجعا

تعلمت أن الهدوء لا يعني انتهاء الألم بل يعني أنني أصبحت أراه من بعيد دون أن أُصاب بنزفه من جديد تعلمت أن ما انكسر في لم يضعفني بل أعاد تكويني على هيئة أكثر صلابة وأن ما ظننته نهايتي كان في الحقيقة بداية أخرى أكثر وعيا وأكثر صدقا مع نفسي

لقد بدأت أرى الجمال في التفاصيل الصغيرة فنجان قهوة في صباح هادئ نسمة تمر على وجهي فتذكرني أنني ما زلت على قيد التنفس ابتسامة طفل تعيدني إلى براءة الحياة الأولى دعاء أم يطاردني بالرحمة في كل خطواتي

لم أعد أبحث عن الكمال ولا عن الناس الذين يشبهونني اكتفيت بأن أكون صادقا مع نفسي فذلك وحده يكفيني

حين هدأت أدركت أن الله لم يبعد عني شيئا إلا ليقيني من وجعه ولم يغلق بابآ إلا ليفتح لي طريقا أوسع مما تخيلت أدركت أن الوجع لم يكن عدوي بل كان رسولي نحو النضج وأن الصبر لم يكن ضعفا بل عبورا آمنا نحو النجاة

الذين رحلوا تركوا فراغا ملأته التجارب والذين خذلوني علموني ألا أستند إلا على من لا يتغير أما أنا فقد تصالحت مع قلبي وغفرت لنفسي كل لحظة ضعف عشتها لأنني كنت إنسانا ولأن التعب ليس عيبا والدمعة ليست هزيمة

يا صديقي بعد كل اختناق هناك شهيق أول للحياة بعد كل انكسار هناك قلب يتعلم كيف ينبض من جديد لا تخف من الرماد فكم من رماد ولدت منه طيور حلقت عاليا لا تيأس من ظلمة طال أمدها فالنور لا يأتي فجأة لكنه يأتي حتما يسري بين خلاياك بهدوء جميل حتى تشعر أنك ولدت من جديد

وفي لحظة صافية ستنظر إلى نفسك القديمة وتبتسم ستقول لقد تجاوزت

وحينها فقط ستعلم أن ما ظننته نهاية كان أول السطر وأن روحك التي ظننتها ماتت عادت تنادي الحياة