حين تُغتال البراءة… لا صمت بعد اليوم على جريمة التحرش بالأطفال

بقلم الخبير القانوني أحمد عبد الستار

مسؤولية الأسرة والقانون معًا لحماية الطفولة… والخوف من كلام الناس خيانة لا تغتفر
في عالم تتسارع فيه التغيرات وتزداد فيه التحديات، يظهر خطر يهدد براءة الطفولة وسلامة المجتمع، خطر لا يقف عند حدود الجريمة العادية، بل يتجاوزها ليطعن الضمير الإنساني في الصميم: جريمة التحرش الجنسي وهتك العرض بالأطفال. إنها ليست فقط انتهاكًا جسديًا، بل جريمة تمس مستقبل وطن بأكمله.

وقد تصدى المشرع المصري لهذا الخطر بنصوص قانونية صارمة وواضحة، فجاء قانون العقوبات المصري ليجرم التحرش الجنسي بكافة صوره في المادتين (306 مكرر أ) و(306 مكرر ب)، مشددًا العقوبة متى وقع الفعل على طفل أو باستخدام القوة أو التهديد. أما جريمة هتك العرض، فقد أوليت عناية خاصة من قبل المشرع، فنصت المادة (268 عقوبات) على معاقبة مرتكبها بالسجن المشدد، بل وبالمؤبد إذا اقترنت بظروف مشددة، ومنها كون المجني عليه طفلًا لم يبلغ الثامنة عشرة.

وفي ظل بشاعة الجريمة، يتساءل كثيرون عن سبب عدم إصدار أحكام بالإعدام بحق المعتدين على الأطفال. والإجابة تكمن في التوصيف القانوني الدقيق، حيث لا يعترف القانون المصري حتى اليوم بمصطلح “اغتصاب الذكر”، وإنما يعتبر الأفعال الجنسية القسرية ضده “هتك عرض”، مما يجعل أقصى عقوبة له السجن المؤبد. فبينما الإعدام يُطبق على جرائم اغتصاب الإناث في ظروف مشددة، يظل هتك العرض، سواء وقع على ذكر أو أنثى، عقوبته القصوى هي المؤبد.

ويهمنا هنا توضيح حقيقة قانونية مهمة: السجن المؤبد لا يعني قضاء 20 أو 25 سنة فقط، بل هو عقوبة سالبة للحرية مدى الحياة، ولا يجوز الإفراج المشروط عن المحكوم عليه إلا بعد مضي عشرين عامًا على الأقل، وفقًا للقانون رقم (15) لسنة 1976. المؤبد يعني أن يبقى الجاني خلف القضبان حتى النهاية، ما لم تتغير حالته طبقًا لضوابط صارمة، حمايةً للمجتمع وردعًا لكل من تسول له نفسه الاعتداء على براءة الأطفال.

ورغم أن القانون قد شدد قبضته على الجناة، تبقى الأسرة هي خط الدفاع الأول والأهم. إن مسؤولية حماية الأطفال تبدأ من البيت، بالملاحظة والحب والرعاية. يجب أن يكون الآباء والأمهات قريبين من أبنائهم، يصغون لهم دون تردد أو تهاون، ويصدقون رواياتهم مهما بدت صادمة، لأن التكذيب أو الإهمال قد يدمران نفسية الطفل إلى الأبد.
وعند اكتشاف أي واقعة تحرش، يجب التصرف بحزم فوري واللجوء إلى القانون دون تردد، فالقضاء المصري قوي وشامخ، يحمي الضعيف قبل القوي، ولا يرحم من يعتدي على طفولتنا ومستقبلنا. لا تخافوا من كلام الناس، ولا تسمحوا لنظرات المجتمع أن تقيدكم؛ فالخوف من الناس قد يصنع داخل البيت شخصًا محطمًا نفسيًا، لن يغفر لكم يومًا تهاونكم في حماية حقه.

وإذا كانت الحماية الجسدية مهمة، فالحماية الروحية لا تقل عنها أهمية. يجب زرع الإيمان في قلوب أطفالنا منذ الصغر، وغرس مبادئ العفة والكرامة في نفوسهم. علموهم أن أجسادهم ملك لهم وحدهم، وأن رفض أي محاولة تعدٍ هو حق أصيل لا يحتاجون للاعتذار عنه. احذروا كبت حرياتهم، فالقمع يولد الأمراض النفسية، بينما الحوار والاحتواء يبني شخصية قوية سوية قادرة على مواجهة الحياة بثقة وأمان.

إن أطفالنا أمانة عظيمة سنُسأل عنها أمام الله وأمام ضمائرنا. فكونوا لهم العون والسند، ولا تخذلوهم في لحظة قد تحدد مصير حياتهم كلها.

شاهد أيضاً

السيسي_حبيب_المصريين.. ومغردون: مصر فرضت كلمتها على الجميع فى عهده

السيسي_حبيب_المصريين.. ومغردون: مصر فرضت كلمتها على الجميع فى عهده   كتب / محمود العيسوي أعرب …