حوار حول: “السرقات الأدبية: بين الأمانة الفكرية والإبداع المزعوم: حوار نقدي مع الدكتور السيد إبراهيم والكاتبة روعة محسن الدندن”  

أدارت الحوار:

الإعلامية والأديبة السورية روعة محسن الدندن – مديرة مكتب سوريا للاتحاد الدولي للصحافة والإعلام الالكتروني، وسفيرة النوايا الحسنة وحقوق الانسان لمنظمة الضمير العالمي ولحقوق الإنسان والعضوة بعدة اتحادات عربية.

ضيف الحوار:

دكتور السيد إبراهيم أحمد، رئيس قسم الأدب العربي باتحاد الكتَّاب والمثقفين والعرب ـ باريس، وعضو شعبة المبدعين العرب بجامعة الدول العربية، والمُحاضر المركزي بهيئة قصور الثقافة ـ وزارة الثقافة المصرية.

أهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء المميز، الذي نسعى من خلاله إلى مناقشة أحد المواضيع الحيوية في عالم الأدب والنقد، وهو السرقات الأدبية، وتأثيراتها على العمل الأدبي، والمجتمع، والثقافة. 

تُعد السرقات الأدبية قضية شائكة وملحة في زماننا الحالي، حيث أصبح التميز والإبداع في عالم الأدب يواجهان تحديات متعددة، تتراوح بين الأمانة الفكرية، والحقوق الأدبية، وتأثيرات العصر الرقمي على نقل الأفكار والتأثيرات المتبادلة. كيف نتعامل مع هذه الظاهرة؟ وكيف يمكن أن يؤثر الانتحال على مصداقية الكتاب والأدباء؟ وهل توجد معايير ثابتة يمكن أن تميز بين التأثيرات المشروعة والسرقة الأدبية؟

 

هذه الأسئلة وأكثر سنناقشها اليوم مع ضيفنا الكريم، الذي يسعدنا أن نرحب به، الدكتور السيد إبراهيم، أحد الباحثين البارزين في مجال الأدب والنقد، والذي له العديد من المساهمات الأكاديمية القيمة. الدكتور إبراهيم هو شريك لعدة حوارات أدبية هامة، ويُعد من القامات الفكرية التي تسهم بعمق في إثراء النقاشات الأدبية الأكاديمية.

إنه لمن دواعي سروري أن أرحب بضيفي الكريم، الذي سيقدم لنا رؤى وتحليلات غنية حول هذه القضية المعقدة. ونحن على يقين أن حوارنا اليوم سيكون غنيًا بالأفكار والنقد البناء.

أهلاً وسهلاً بك، دكتور إبراهيم، في هذا الحوار الهام. نبدأ الآن حوارنا، ونحن في انتظار آرائك القيمة وتوجيهاتك الفكرية:

ـ ما هو الخط الفاصل بين الاقتباس المشروع والسرقة الأدبية في الأدب المعاصر؟

   يسعدني أن نبدأ حوارا هاما وجادًا محاورتنا الكبيرة روعة هانم الدندن التي دائما ما تبحث عن القضايا النوعية المؤثرة في الفكر العربي المعاصر، ومنها قضية السرقات الأدبية تلك القضية القديمة الجديدة والمتجددة، وأوقن أنني لا أعلم متى بدأت في أفق التاريخ البشري بشكل عام غير أنني أعلم يقينًا أيضا أنها لن تنتهي إلا بنهاية كوكب الأرض.

  والاقتباس سواء في البحث العلمي أو الأدبي أو المسرح أو السينما مشروع إذا تم استخدامه بشروطه، ولو تم مخالفة شرطِ منها تحول إلى النقيض منه بكونه سرقة في المطلق، ومفهوم الاقتباس العلمي والمشروع أن يأخذ الباحث أو ينقل بعض المعلومات نقلا حرفيا نصيا من أحد المصادر البحثية والمعرفية، لخوفه من أن يخل بمعناها أو مبناها، على أن يدرجها في بحثه أو كتابه، مع ضرورة أن يقوم بتوثيق المراجع أو المصادر التي نقل أو أخذ منها، وهو ما يعني أنه بهذا الصنيع يهدر حقوق الكاتب الأصلي، وهو مخالف لأخلاقيات البحث والإبداع.

ـ إذًا يا دكتور الاقتباس ليس في البحث العلمي أو الأدبي وحده ولكن في السينما والمسرح.. أليس هذا ما تقصده؟

 نعم يا فندم بل والاقتباس كذلك في الموسيقى، ولكل فن من هذه الفنون شروطه في الاقتباس ولو خالفها المبدع كان سارقا، والذي حدد هذه الشروط أهل كل فن منهم؛ فالاقتباس في المسرح تعني إعادة صياغة المسرحية العالمية من حاله معينة كانت عليها إلى صياغة أخرى، وهو ما تجدينه مكتوبًا “إعداد” لكن لو أخذ أحدهم الفكرة وأدخل عليها بعض التعديلات صار هذا الصنيع “اقتباسًا”، وذلك لأن النص في أصله العالمي يناسب بيئته وثقافتها، وقضاياها، وعند نقله لمجتمع آخر لابد أن يناسب ثقافتها وقضاياها مع الإشارة إلى أن العمل مقتبس من مسرحية كذا.

   والاقتباس السينمائي يكمن في تحويل رواية إلى فيلم، على ما فيه من اختلاف بينهما، فير أن الاقتباس من يعد تناولا فنا وإبداعي جديدا للرواية التي ستتعرض يعض أحداثها وشخوصها لعمليتي الحذف والتغيير، ولا يعد هذا الفعل خيانة من المُقتبِس، لكنها ضرورة تفرضها متطلبات الفيلم، ولا تدخل في باب السرقات

وللتفرقة بين الاقتباس الموسيقي والسرقة وضعت جمعية الموسيقيين معيارها الذي تقدر به حالات السرقة التي تثبت بعد نقل أحد الموسيقيين أربعة موازير كاملة، والمازورة تعني الجملة الموسيقية، غير أن الاقتباس يكمن في التنويع على جملة موسيقية واحدة فى لحن من اقتبس، والاقتباس في السينما والموسيقى يحتاج لتفصيل ليس هنا موضعه.

ـ هل تختلف المعايير بين الأنواع الأدبية (الشعر، السرد، المقالات الأكاديمية) من حيث ما يُعتبر سرقة أدبية؟

       الاتفاق العام على السرقة الأدبية أو العلمية أو الفنية ينصب على فعل الفاعل الذي ينسب لنفسه عملا ليس من إبداعه أو ابتكاره، وبالنسبة للبحث العلمي الأكاديمي هناك الكثير من المؤلفات والمطبوعات التي تهلم الباحث ضوابط وقواعد الاقتباس وتجنب السرقة، واللجوء للبرمجيات التي تكشف السرقات، وتكون فضيحة مدوية تنهي مستقبل مرتكبها، كما أن السرقات الأكاديمية في البحث العلمي تغطي الوطن العربي على اختلاف دوله، وليس هذا ببعيد عن الدول الغربية، وبالنسبة للشعر فقد وضع النقاد القدامي وبعض المعاصرين العديد من التساهل مع سرقة الشعر فيما يسمى بـ “حسن الآخذ”، فيما لو أن القائل بالمعنى الجديد للبيت القديم أعمق. ذلك أن النقاد العرب القدامى قد تعرضوا لهذه القضية التي صنفوها إلى: الانتحال، والإنحال، والإغارة، والمواردة، والمرادفة، والاجتلاب والاستلحاق، والاصطراف، والاهتدام وغيرها.

  وقد طالت السرقة السرد القصصي والروائي كبار أدباء الغرب والشرق على السواء الذين يحتلون مكانة سامقة في الإبداع، ومنهم من دافع عن نفسه واعترف بجريرته في الشباب، ومنهم من لم يدافع واستمر في إنتاجه الأدبي ضاربًا بكل الاتهامات عرض الحائط مع كونها صحيحة، ومنهم من طاله السجن والغرامة. 

 . هل يمكن اعتبار التأثيرات الأدبية والاقتباسات المتكررة جزءًا من الإبداع الأدبي، أم أنها تساهم في خلق حالة من “الاستنساخ الأدبي”؟ وهل يتحمل الكاتب مسؤولية الحفاظ على أصالة عمله؟

   التأثيرات الأدبية لها مكانتها في كل فن من فنون الإبداع بل والبحث العلمي كذلك، والفنان والأديب وغيرهما يتأثران بمن سبقهما، ويقلدانه في أول أمرهما ثم مع النضوج الفني والعلمي يتخذ كل مبدع أسلوبه الذي ينفرد به ويتميز به عن غيره، وإلا صار تابع ومقلد ولا وزن له في دنيا الفكر غير الترديد والتقليد. والاقتباس من الضرورات التي يستند لها العالم والأديب سواء في البحث العلمي أو الأدبي؛ فالاقتباس ضرورة فكرية وعلمية يتم عن طريقه تحقيق التفاعل بين أفكار السابق واللاحق من الأجيال، ومن خلال التفاعل يتم تقديم أفكار جديدة، ورؤى عميقة قد تبني على ما سبق ولكنها تساهم في تطوير الأفكار، أو تصويبها، أو تفسيرها، ولهذا لا يمكن اعتبار الاقتباس سرقة ما دام من اقتبس ذكر ذلك في متن كلامه أو في الهامش وفي صفحة المراجع، مما لا يُعد الاقتباس استنساخا بل مرجعية يستند عليها الكاتب أو الباحث ليؤيد قوله الجديد في طرحه، مما يجعل الاقتباس جزءًا أصيلًا من الإبداع الذي استند عليه. 

   تنتهي مسئولية الكاتب عندما يقدم عمله إلى دور النشر ليخرج للقراء، وقد أخذت هذه الدور الموافقة من الجهات المعنية بالتوثيق وحق الملكية الفكرية، وقبل كل هذا هو الذي يقع في مسئوليته من الصبر والدأب في تقديم إبداع غير منقول عن غيره نقلا تاما، أو من غير الإشارة إلى النقل في هوامشه ومراجعه ومتن نصه، وأن يكون قد أتى بما يرضي عنه من إبداع يراه غير مسبوق في كله أو معظمه، والأصالة هنا محل خلاف بين السابقين واللاحقين من النقاد والبلغاء، بل بين الغربيين أنفسهم، ومنهم “لانسون” الذي يقول: (إنَّ أمعن الكُتَّاب أصالةً إنما هو راسب من الأجيال السابقة. وبؤرة للتيارات المعاصرة، وثلاثة أرباعه مُكوْن من غير ذاته، فلكي نجده ـ نجده هو في نفسه ـ لابد أن نفصل عنه كمية كبيرة من العناصر الغريبة، يجب أن نعرف ذلك الماضي الممتد فيه، وذلك الحاضر الذي تسرب إليه، فعندئذٍ نستطيع أن نستخلص أصالته الحقيقية، وأن نقدرها ونحددها”.

 . كيف تؤثر السرقات الأدبية على علاقة الكاتب مع جمهوره؟

  بعض جمهور الكاتب يتأثر، وبعضهم يستمر في شراء إبداعاته وقراءتها، وهناك من الأسماء الكبيرة في سماء الإبداع العربي من الشعراء والروائيين والكتاب، ممن قامت الدنيا حولهم ولم تقعد عن تتبع ورصد سرقات في ثنايا أعمالهم، أو سرقة العمل ونشره دون تغيير فيه لظن الكاتب أن قدم النص لن يجعل أحدهم يلتفت إلى أنه ليس له، ولشهرتهم يستضافون في البرامج التلفازية بل لبعضهم برنامج كل عام، وتستضيفه الدول العربية في منتدياتها ومعارضها، ولم يناقشه أحد في سرقاته.

. هل يجب أن نعيد تعريف مفهوم “الملكية الفكرية” في عصر الإنترنت والمصادر المفتوحة؟

     أولا يجب أن نبين ما هو مفهوم الملكية الفكري، وهو يعني ملكية الإبداعات الفكرية مثل: الاختراعات والأعمال الأدبية والفنية ومصدرها، من تصميمات ورموز وأسماء، وكذلك الصور والعلامات التجاريّة الخاصة بالمشاريع والشركات المستخدمة في التجارة. وهو مفهوم يدخل عليه التطور مع ظهور ما يهدد تلك الملكية، خاصة وأن القوانين التقليدية مثل اتفاقية برن واتفاقية باريس، قد تبدو غير كافية لمواجهة تحديات العصر الرقمي، خاصة في وجود العديد من التحديات القانونية في حماية الملكية الفكرية في العصر الرقمي، ومنها: القرصنة الرقمية التي يمارسها البعض في نسخ المحتوى الرقمي مثل الأفلام والموسيقى والبرمجيات دون إذن قانوني، وخطورتها تكمن فيما تحمله من خسائر مالية كبيرة للمبدعين والشركات، غير أن تأثيرها الأخطر يكمن في فتور الحوافز الإبداعية والابتكارية عند أصحاب الإبداع الأصليين الجادين، وهو ما يؤثر بالسلب على كافة المجتمعات البشرية.

 كما أن من التحديات القانونية أن التكنولوجيا الحديثة يسرت على نشر المحتوى المحمي بحقوق الملكية الفكرية على نطاق واسع وبسرعة خارقة، مما يجعل مسألة تتبع الانتهاكات القانونية واتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الحقوق الملكية أمر صعب جدا، يساهم في هذا أيضا ظهور تقنيات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي وتقنيات البلوك تشين لتسجيل الملكية بطرق أكثر موثوقية وأمان، واعتماد الذكاء الاصطناعي لرصد الانتهاكات، غير أن الأمر يتطلب تعاونًا دوليًا أكبر لتوحيد قوانين حماية الملكية الفكرية.

ـ مع انتشار الأبحاث المتاحة على الإنترنت ومنصات النشر المفتوح. هل يظل التمييز بين الأصالة والسرقة الأدبية بنفس الأهمية التي كان عليها سابقًا؟

  مازال وسيظل ولن ينتهي؛ فأصالة البحث العلمي، والإبداع، والبحث الأدبي من أهم الدلائل على وجود العقول المفكرة، والقلوب النابضة بضرورة تطور المجتمع من خلال آلياته العلمية والإبداعية، ولا يمكن أن ينتصر الباطل على الحق تحت أي دواعي أو دوافع، وهناك من الضوابط الكثيرة التي تتحرز لها الجامعات والمعاهد العليا والأكاديميات للتعرف على الأصيل من المزيف، خاصة وأن هناك بند الدراسات السابقة في خطة البحث للماجستير والدكتوراه وضرورة الإتيان بالجديد خاصة في الدكتوراه، وتبادل تلك الرسائل مع الجامعات مما يجعل أمر اكتشافها بعد ذلك ليس ببعيد، ويجعل من سحب الدرجة العلمية إجراء تلجأ إليه الجامعة لتنقية وحماية هيئة تدريسها وبالتالي حماية الطالب ثم المجتمع كذلك.

. هل يمكن اعتبار بعض السرقات الأدبية “ابتكارًا” أو “تحويرًا” لأفكار سابقة بشكل لا يتسبب في استغلال غير أخلاقي؟

  قد يكون كذلك فيما لو أشار الباحث أو المبدع إلى أنه سيقوم بذلك؛ لظهور نظريات معرفية جديدة، أو اكتشافات أثرية، أو خروج بعض المخطوطات إلى النور، أو ظهر بعض مذكرات أحد المعاصرين وتؤثر في بعض الحقائق التي يجب تعديلها أو تصويبها، المهم الالتزام بالأمانة العلمية والحيدة والنزاهة.

. ما هو الدور الذي تلعبه التقنيات الحديثة مثل برامج كشف الانتحال في توجيه مسار السرقات الأدبية؟

 إن برامج فحص السرقات الأدبية كثيرة والأفضل منها ما كان مدفوعا له المال، حيث أن الأخطاء تكون مصاحبة للبرامج المجانية، وسأذكر أهمها دون اسمها بل عملها: 

ـ برنامج يمكنه فحص أي نص يتألف من ألف وخمسمائة كلمة، وهو من البرامج المجانية التي تقوم على مقارنة النص المطلوب مع آلاف النصوص الموجودة عبر الانترنت للتأكد من نسب الاقتباس أو السرقات الأدبية فيها، وهناك برنامج من أهم البرامج على مستوى العالم، وتستخدمه الكثير من الجامعات ومدرسيها وطلابها لما تميز به من موثوقية ومصداقية نتائجه، حيث يقوم بتلوين أماكن الاقتباس بعدة ألوان تشير لنسبة الاقتباس وهو ما يعني أن هناك صراع بين الجامعة وبين الطلاب في كشف سرقاتهم العلمية.  

ـ هل تجعل هذه البرامج العمل الأدبي أكثر أمانًا أم أنها تشكل تهديدًا للإبداع بسبب الضغوط التي تفرضها على الكتاب؟

 في الواقع العلمي والأكاديمي لا تشكل هذه البرامج ضغوطا إلا على السارق ومن يقوم بمراجعة كتابه أو بحثه الأدبي أو العلمي، لأن الغاية أن ينشأ طالب العلم على البحث بأمانة، وأن يكتسب ثقة في نفسه وقدراته، مما يلزمه بإعمال العقل والتفكير والتأمل، ولا يلجأ إلى أهون أنواع النجاح بالحصول على التقديرات المناسبة له بزعمه ولا يستحقها للجوئه إلى القص واللصق دون الفهم والعلم.   

ـ هل هو التوازن بين التقليد والإبداع هو ما يشكل معيار العمل الأدبي الأصلي؟

غالبا ما نبدأ أو بدأنا جميعا بالتقليد والمحاكاة لمن أعجبنا إبداعهم، فصرنا نقلدهم، والتقليد ليس بالأخذ من الفن بل من الفنان، ثم مع العلم والفهم وتطور السلوك المعرفي قد ننسلخ لنبحث لنا عن بصمة فكرية أو إبداعية تشبه ذواتنا، وليس هذا معناه أننا لم ولن نتأثر، أو قد نقع في منطقة توارد الخواطر وغيرها. ومعيار العمل الأدبي الأصلي يكمن في أصالة الفكرة والأسلوب الذي ينتهجهما المبدع، ويصبر على نفسه ولا يتعجل الشهرة والثروة، والمبدع المقلد، مع ما بين الكلمتين من تنافر، ليس إلا نسخة تضاف لصاحب الإبداع الأصلي، ولن يجد هذا المقلد من يقلده في وجود الأصل.

. هل يمكن اعتبار السرقات الأدبية حالة من “الفقر الإبداعي” أم أنها مجرد نتيجة لظروف اقتصادية أو اجتماعية معينة؟

   السرقات الأدبية عمل إجرامي بامتياز، وسطو أفظع وأكبر من السطو المسلح، ولا تبرره تدني الظرفية الاجتماعية أو الاقتصادية، بل يبرره فقط المنحى الأخلاقي للسارق، والإبداع خرج من الظروف الاقتصادية الطاحنة لكثير من المبدعين، ولم يكن عائقًا لهم بل دافع، ووجدوا في الإبداع بغيتهم وسلوتهم وتفردهم وتميزهم عن غيرهم من البشر قاطبة. إن الذين يسرقون الفكر الإبداعي لغيرهم يحسبونه هينا وهو عند الله عظيم، أنهم يسرقون ثمرات السنين من التحصيل والتعلم والدرس وإعمال العقل، وحبس النفس عن الملهيات والمسليات، والانقطاع في محاريب العلم والتفكر ليخرجوا بهذه الثمرات التي تميزهم إلى النور، فإذا بخسيس أو خسيسة ينقض فيسرق كل هذا وينسبه لنفسه بجرة قلم دون أن ترتعد فرائصه خوفا من الله، والفضيحة فيما لو تم اكتشاف أمره، وتقدم صاحب الإبداع للقضاء وقضى له، وعلى السارق أو السارقة بالغرامة والسجن. 

ـ ما العوامل التي قد تدفع كاتبًا إلى ارتكاب السرقة الأدبية، وهل يمكن تصنيف هذه الأسباب من منظور اجتماعي أو ثقافي؟

   السرقة الأدبية خلل في الأخلاق والتنشئة الاجتماعية والنظام التربوي للسارق، وليس هناك سبب واحد يدفع للسرقة الأدبية من أي منظور على الأرض، وأقابل وأكلم ناس أعلم ويعلم غيري أنهم من السراق ومع هذا لا يخجل بل يستمرأ السرقات وينفيها عن نفسه ويتهم غيره بها، بل يسرق ويعيد الصياغة ويحصل على التقديرات المزعومة في شهادات دكتوراه صادرة عن بعض المجلات الفيسبوكية التي تتسم بالجهل المدقع، ومنهم من صار من أصحاب المنتديات الأدبية والصالونات، وأقول مع الفاروق عمر رضي الله عنه: “اللهم إني أعوذ بك من جَلد الفاجر وعجز الثقة”، وممن يرجوننا ألا نعلن عنهم سواء في بيئاتنا المحلية أو العربية.

 . هل السرقات الأدبية تعكس أزمة في النظام التعليمي والتدريسي للمؤلفين الشباب؟

 ليس هناك علاقة مباشرة بين النظام التعليمي والمؤلفين الشباب بصفة عامة، بل العلاقة تكمن في لجوء الطلاب خلال المراحل التعليمية المختلفة بكافة بلداننا العربية إلى استسهال النقل، وتعطيل العقل، وذلك نابع من إصرار بعض المدرسين وبعض أساتذة الجامعة بعمل بحوث مع كونهم لم يستوعبوا أو يفهموا المقرر الدراسي، وبالتالي ليس هناك من طريق أمامهم إلا سرقة البحوث من النت، أو الدفع لمن يعدها لهم.

ـ هل تعكس السرقات الأدبية غياب الإرشاد المناسب أو ضعف التربية الأدبية في المدارس والجامعات؟

    معظم من عاصرتهم من الأجيال المبدعة من هواة الترند والظهور في الندوات وعلى المنصات، وطبع ما يبدعون مع ما فيه من عوار وسرقة ونقل، ودور النشر لا تدقق ولا تحقق ولا يعنيها سوى الاسترزاق من هؤلاء الشباب من الجنسين، وعمل الدعاية لهم، كما أن المبدعين الشباب ـ غالبا ـ ما يكرهون النقد، ولا يسعون لأصحاب الخبرات في المنتديات الأدبية التي ينتمون أو يذهبون لها، كما أن الانضمام للشللية التي تشكل حائط صد ضد كل من ينقدون إبداعات أحد الشباب، بترويعهم بالادعاء بالجهل والمادية والانحياز.

 . كيف تؤثر السرقات الأدبية على مجالات النشر، خصوصًا فيما يتعلق بالتنافسية في سوق الكتب؟

مجالات النشر لا يعنيها “السرقات الأدبية” بل يعنيها الطبعات الأدبية، ولا يعنيها أيضا التنافسية؛ فهي ليست طرف فاعل في سوق الكتب إلا بكثرة النشر، على أن الأمر لا يشمل كل دور النشر في إطلاق تعميم جاهل، بل هناك بعض هذه الدور من يملكون لجان علمية لتقييم العمل، وقد يفرضون على المبدع زيادة في الرسوم فيما لو قاموا هم بتصويبه وبتعديله، ولن يجد الشاب غضاضة في الدفع فالمهم عنده النشر وأن يلحق المعرض الدولي للكتاب، وعمل البروباجندا الوقتية الزائفة ثم ينتهي المولد.

 . كيف تتعامل المؤسسات الأدبية والجوائز الأدبية مع حالات السرقات الأدبية؟

  لو تقدم أحدهم بكتابه أو ديوانه أو مجموعته القصصية أو روايته ونال عنها جائزة، وثبت بعد ذلك أنه سرقها من أحدهم، سيتم سحب الجائزة ومقاضاته فيما لو تقاضى مبالغ مالية من المؤسسة الأدبية بغير وجه حق، وفي القانون المصري أعطى لمبدع العمل أي مؤلف الحق في التقدم بالشكوى، ثم لورثته من بعده، باعتبار الإبداع إرثًا لهم من حقهم الانتفاع منه وبه، ثم في حق الشكوى كل من تؤول له حقوق التمتع مثل المنتج أو الموزع أو الناشر. ويكفي لهذا السارق الفاجر أن يعلم الناس بسحب الجائزة منه وفقدانه للمصداقية.

ـ وسؤالي الأخير لكم دكنور إبراهيم:هل سيساهم ظهور الذكاء الاصطناعي في الحد من السرقات الأدبية؟

  بحسب ما تابعت من قضايا حول الذكاء الاصطناعي الذي يؤيد البعض أنه سيحد من السرقات العلمية والأدبية، يرى البعض أنه ربما ساعد أكثر في ازدياد حالات السرقة، ومنها تلك القضية التي رفعها جورج ر. ر. مارتن الروائي الأمريكي في أدب الفانتازيا والرعب والخيال العلمي، ومبتكر السلسلة الروائية الخيالية “أغنية الجليد والنار” ضد OpenAI مالكة «تشات جي بي تي»، ومعه 8 صحف أمريكية و(17) كاتب استخدمت أعمالهم من دون إذن منهم، وهي أزمة جديدة تُضاف إلى احتجاجات كتّاب السيناريو في هوليوود ضد استخدام شركات الإنتاج لأنظمة الذكاء الاصطناعي.

  وبهذا نرى أن أنظمة الذكاء الاصطناعي تسرق بطريقة منهجية ذكية مستترة أعمال ومنتجات أدبية وفنية سابقة، ثم ضخها من جديد في قنوات بحثية واضيف إليها وتعدلها، ويدخل من يدفع وتبيع له، وقال المحامون الذين يترافعون بالنيابة عن مارتن: (أن هذه الخوارزميات تنطوي على سرقة منهجية على نطاق واسع). 

  وغاية ما أنهي به حوارنا أن الضمير المهني، والأخلاقيات العلمية التي تربينا عليها ونربي عليها الباحثين من الأبناء، أن يكون بحئك أو قصيدتك أو روايتك من تأليفك؛ فسعادة المبدع في تعبه ودأبه من أجل المساهمة في الفكر والإبداع البشري بأعمال تنسب إليه، ويعلم أنه لم يسرقها من غيره. وبدوري أقول كما قلتُ في أحد الندوات، وفيها من بعض سراق الأدب: ( ويحك، وتبًا لك من لص، إذا لم تستطع أن تبدع فلا تسرق ولا تنتحل) وليت كل السراق في كل الأرض يسمعون هذا النداء، ويمتنعوا ويتوقفوا من فورهم.

ـ وأضم صوتي لندائكم معالي الدكتور .. وغاية ما أختم به حوارنا هو تقديم الشكر والامتنان للأديب الموسوعي دكتور السيد إبراهيم أحمد،.. وعلى أمل اللقاء بكم في حوار جديد أترككم في أمان الله وأمنه حتى نلتقي.

شاهد أيضاً

الجوكر في التعليم.. 

الجوكر في التعليم..  كتبت رونا خالد    من هو الجوكر في التعليم بمحافظة الجيزة، وبالأخص …

🏆 مدارس المدينة سكولز تهنئ المنتخب الوطني المغربي لأقل من 20 سنة على إنجازه التاريخي بفوزه على المنتخب الفرنسي 🇲🇦

🏆 مدارس المدينة سكولز تهنئ المنتخب الوطني المغربي لأقل من 20 سنة على إنجازه التاريخي …