حسن القصد في إظهار الحق

 

حسن القصد في إظهار الحق
بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله الذي خلق فسوى وقدر فهدى وأشهد أن لا إله إلا الله أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، لا تحصى نعمه عدا ولا نطيق لها شكرا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي المصطفى والخليل المجتبى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن على النهج اقتفى وسلم تسليما كثيرا ثم أما بعد ذكرت المصادر الإسلامية كما جاء في كتب الفقه الإسلامي الكثير عن الجدال، وعواقب الجدال، ويقول ابن الجوزي في كتابه الإيضاح أول ما تجب البداءة به “حسن القصد في إظهار الحق طلبا لما عند الله تعالى، فإن آنس من نفسه الحيد عن الغرض الصحيح فليكفها بجهده، فإن ملكها، وإلا فليترك المناظرة في ذلك المجلس، وليتق السباب والمنافرة فإنهما يضعان القدر، ويكسبان الوزر، وإن زل خصمه، فليوقفه على زلله، غير مخجل له بالتشنيع عليه، فإن أصر أمسك، إلا أن يكون ذلك الزلل.

مما يحاذر إستقراره عند السامعين، فينبههم على الصواب فيه بألطف الوجوه جمعًا بين المصلحتين” إذن الجدال له حالتان، فالأولى هو الجدال المحمود وهو الذي يكون لتبيين الحق وإظهاره، ودحض الباطل وإسقاطه، وهو الذي أمرت به الأدلة الشرعية، وفعله العلماء قديما وحديثا، والثانية هو الجدال المذموم وهو الذي يقصد به الغلبة والإنتصار للنفس، وهو الذي تحمل عليه الأدلة الشرعية الناهية عن الجدال، ويمكن للإنسان أن يعرف أن الشخص يماري أو يجادل من خلال طريقته في الكلام، وموقفه مما يعرض عليه من الأدلة والحجج، فالذي يجادل من أجل بيان الحق يقبل الأدلة الصحيحة، ويعمل بمقتضاها، إلا إذا كان عنده ما يعارضها مما هو أقوى منها ولذلك فإنك تجد كثيرا ممن يجادلون بالحق يرجعون عن أقوالهم إذا تبيّن لهم خطؤها.

ويأخذون بقول الآخرين لأن هدفهم الوصول إلى الحق لا الإنتصار للنفس، أما الذي يماري فتجده يصرّ على رأيه من غير دليل، ولا يقبل من الأدلة إلا ما يوافق رأيه ولذا فإنه يتكلف في رد الأدلة وتأويلها وصرفها عن دلالاتها ونحو ذلك مما يدل على أنه لا يريد الحق وإنما يقصد الإنتصار لنفسه، والجدال والمراء كثيرا ما يميل إلى الخصومة في الكلام، وينطوي على حرص كل واحد من المتجادلين على غلبة خصمه وإفحامه وإلزامه الحجة وبيان خطئه، ونتيجة لهذا فإن من المألوف أن يقع خلال الجدل بعض الظلم والإدعاء والكذب والتطاول وإستخفاف أحد المتجادلين بالآخر، ومن هنا وجهنا الله سبحانه وتعالى إلى أن نجادل المجادلة المقيدة بالأدب الإسلامي الرفيع، المجادلة بالحق والساعية إليه فقال الله تعالى ” وجادلهم بالتي هي أحسن “

ومن المعلوم أن هناك فرق بين الجدال والمحاورة، فالحوار فمع دلالته على تردد الحديث بين إثنين، إلا أنه لا يحمل صفة الخصومة وإنما يحمل صفة الحرص على العلم والفهم والإطلاع، فالدافع الأساسي للمحاور الجيد ليس إقناع من يحاوره بوجهة نظره وجعله يقف إلى جانبه، وإنما دافعه الأساسي أن يري محاوره ما لا يراه، وأن يظفر من محاوره أيضا بأن يكشف له غموض أمور لا يراها ولا يعرفها، فكلا من المتحاورين يطلب الوضوح ومعرفة الحق والحقيقة أما الجدال فهدفه كما ذكرت آنفا هو الغلبة وإفحام الخصم، لذلك جاء في الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أبغض الرجال إلي الله الألد الخصم ” قال المناوي ” الألد” أي الشديد الخصومة بالباطل الآخذ في كل لدد أي في كل شيء من المراء والجدال لفرط لجاجه الخصم، أي المولع بها الماهر فيها الحريص عليها.

المتمادي في الخصام بالباطل، لا ينقطع جداله وهو يظهر أنه على الحسن الجميل ويوجه لكل شيء من خصامه وجها ليصرفه عن إرادته من القباحة إلى الملاحة، ويزين بشقشقته الباطل بصورة الحق وعكسه، بحيث صار ذلك عادته وديدنه، فالأول ينبئ عن الشدة والثاني عن الكثرة وقال الغزالي إذا خاصمت فتوقر، وتحفظ من جهلك وعجلتك، وتفكر في حجتك، ولا تكثر الإشارة بيدك، ولا الالتفات إلى من وراءك.

شاهد أيضاً

الدكتور علي الدكروري: حين نربط الابتكار بالاستثمار نصنع مستقبلاً عربيًا متوازنًا

الدكتور علي الدكروري: حين نربط الابتكار بالاستثمار نصنع مستقبلاً عربيًا متوازنًا كتب: حسام النوام    …

الدفاع عن شرف الأمة الإسلامية

الدفاع عن شرف الأمة الإسلامية بقلم / محمـــد الدكـــروري  الحمد لله على إحسانه، والشكر له …