حديث الصباح
أشرف عمر
عن أبي ذر رضي الله قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم:
*{ يصبحُ على كلِّ سلامي من أحدِكم صدقةٌ، فكلُّ تسبيحةٍ صدقةٌ، وكلُّ تحميدةٍ صدقةٌ، وكلُّ تهليلةٍ صدقةٌ، وكلُّ تكبيرةٍ صدقةٌ، وأمرٌ بالمعروفِ صدقةٌ، ونهيٌ عن المنكرِ صدقةٌ، ويجزئُ من ذلك، ركعتان يركعُهما من الضحى }.*
رواه مسلم.
*شرح الحديث:*
في هذا الحَديثِ يَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «يُصبِحُ عَلى كُلِّ سُلامَى»، أيْ: على جَميعِ أعْضاءِ البَدنِ ومَفاصِلِه، وأصْلُ السُّلامَى -بضَمِّ السِّينِ- عِظامُ الأصابعِ والأكُفِّ والأرجُلِ، ثُمَّ استُعمِلَ في سائِرِ الأعْضاءِ. فإذا أصبَحَ الإنْسانُ كلَّ يومٍ، فعليه أنْ يَتصدَّقَ عَن كُلِّ عُضوٍ مِن أعْضائِه شُكرًا للهِ تَعالى عَلى عَظيمِ مِنَّتهِ، فتَركيبُ هذه العِظامِ ومَفاصِلِها مِن أعظَمِ نِعَمِ اللهِ على عَبْدِه، فيَحتاجُ كُلُّ عَظمٍ منها إلى صَدَقةٍ يَتصَدَّقُ بها ابنُ آدَمَ عنه؛ لِيَكونَ ذلك شُكرًا لِهذه النِّعمةِ، والمُرادُ صَدَقةُ نَدْبٍ وتَرغيبٍ، لا إيجابٍ وإلزامٍ؛ فإنَّه يَكْفي في شُكرِ هذه النِّعَمِ أنْ يَأتيَ بالواجِباتِ، ويَجتَنِبَ المُحَرَّماتِ، ثمَّ أرشَدَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِبَعضِ وُجوهِ الطَّاعاتِ الَّتي يَتصَدَّقُ بها الإنْسانُ عَن مَفاصِلِه، فـ«كلُّ تَسبيحَةٍ»، وهو قولُ: سُبحانَ اللهِ، «صَدَقةٌ»، «وَكُلُّ تَحْميدةٍ»، وهو قولُ: الحَمدُ للهِ «صَدَقةٌ»، «وَكُلُّ تَهْليلةٍ» وهو قولُ: لا إلَهَ إلَّا اللهُ، «صَدَقةٌ»، «وَكُلُّ تَكْبيرةٍ» وهو قولُ: اللهُ أكبَرُ، «صَدَقةٌ»، «وأمْرٌ بالمَعروفِ صَدَقةٌ، ونَهيٌ عَنِ المُنكَرِ صَدَقةٌ»، وكَذا سائِرُ الأذْكارِ وباقي العِباداتِ صَدَقاتٌ عَلى نَفْسِ الذَّاكرِ، والمعروفُ: اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما عُرِفَ مِن طاعةِ اللهِ تعالَى، والإحْسانِ إلى النَّاسِ. والمنكَرُ: هو كلُّ ما قَبُحَ مِنَ الأفْعالِ والأقْوالِ وأدَّى إلى مَعْصيةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وهو اسمٌ شاملٌ لجميعِ أبْوابِ الشَّرِّ، فمَن فعَلَ الخَيراتِ المَذكورةَ ونحوَها بِعدَدِ تلكَ السِّتِّينَ والثَّلاثِ مائةٍ مِنَ السُّلامَى، وهيَ المَفاصلُ.
ثُمَّ أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بما يُجزئُ عن ذلك كلِّه، وهما «رَكْعَتانِ يَركَعُهُما مِنَ الضُّحى»؛ لأنَّ الصَّلاةَ عَملٌ بجَميعِ أعْضاءِ البَدنِ، وتَشمَلُ جَميعَ ما ذُكِرَ مِنَ الصَّدقاتِ وَغيرِها، وهذا بَيانٌ لعِظَمِ فَضلِ صَلاةِ الضُّحى، ووقْتُ صَلاةِ الضُّحى بعدَ شُروقِ الشَّمسِ بمِقْدارِ رُبعِ ساعةٍ بعدَ الشُّروقِ، ويَمتدُّ وَقتُها إلى ما قبلَ الظُّهْرِ برُبعِ ساعةٍ أيضًا، وأقلُّ عدَدٍ لصَلاةِ الضُّحَى رَكعتانِ، وأكثرُه ثَمانِي رَكَعاتٍ.
صبحكم الله بكل خير وصحة وسعادة وبركة في العمر والرزق وطاعة وحسن عبادة.