حافظة الشعر العربي
(الحلقة السابعة)
عبد الكريم احمد الزيدي
العراق / بغداد
وقبل الانفتاح على الشعر العربي الحديث او المعاصر الذي هو عنوان حلقتنا ، فانه لابد لنا ان نذكر اولا عصرًا هامًا سبق له ومهّد اليه وهو ما يعرف بعصر النهضة ، ويعتبر هذا الولادة الحقيقية لما نعرفه اليوم من أدب وثقافة وفن وعلوم وهو انطلاق مجازي لحقيقة أمة عريقة لا تعرف الموت ولنا ان نفخر بها بعد ان ظلت في سبات وظلمة طالتها بعد فترة السقوط لأكثر من سبعة قرون عجاف.
والنهضة الأدبية هذه تجديدا واحياءا للأدب العربي وتمكينه من التكيف مع التغيير العام في المجتمع ليأخذ أشكالًا جديدة في المقالات والمسرحيات والروايات ، وطرق ووسائل لصياغة الشعر وتدوينه واحيائه ملبيا لواقع وحاجة التجديد والتطوير .
ولابد لنا هنا من بيان العوامل التي ساهمت في احياء هذه النهضة الفكرية ومنها:
_الترجمة التي ساعدت في نقل وترجمة العديد من الروايات والمسرحيات والأعمال الفنية من اللغات الغربية الى لغتنا العربية .
_الصحافة والتي شهدت رواجا كبيرا بين ابناء المجتمع وخاصة المتعلم منهم بعد انتشار المطابع وإصدار الجرائد والصحف .
_ظهور المعاجم والمجامع اللغوية وهي مراكز علمية ضمت النخبة من العلماء والمفكرين وأصحاب الأدب والثقافة .
_إنشاء المدارس والمعاهد والتي أخذت دورا بارزا في التعليم والدراسة والتحفيظ وتعلم اللغات الأجنبية وتعليمها .
_البعثات الدراسية والتي جاءت بعد اتفاقات ثقافية بين الدول للدراسة والتعلم واكتساب الخبرات والعلوم ونقلها الى المجتمع وتعاليمه .
ولكي نعرج على قامات هذه النهضة ورجالاتها لابد لنا ان نشير الى ان بوادر نشأتها وولادتها ووهج بريقها كانت في بلاد الشام ومصر والعراق بالتحديد قبل ان تنتقل بتأثيرها الى باقي بلدان العرب ، وهنا يمكن ان نذكر منهم :
احمد شوقي ، الذي لقب بأمير الشعراء وهو من ابرز شعراء النهضة وعصرها وله العديد من الأعمال منها ، ديوان الشوقيات ومسرحيات مجنون ليلى ومصرع كليوباترا وعنترة وامير الأندلس وروايات عديدة كفرعون الاخير وعذراء الهند وله في النثر كتاب أسواق الذهب ، ومن اجمل قصائده في المدح على شاكلة قصيدة البردة ، فيقول :
ريم على القاع بين البان والعلم
احلّ سفك دمي في الأشهر الحرم
رمى القضاء بعيني جؤذر اسدا
يا ساكن القاع ادرك ساكن الأجم
لما رنا حدثتني النفس قائلة
يا ويح جنبك بالسهم المصيب رمي
جحدتها وكتمت السهم في كبدي
جرح الاحبة عندي غير ذي الم
الشاعر خليل مطران ، ولقب أيضا بشاعر القطبين ، وتميز أسلوبه الشعري بالتنوع والحداثة وهو من كتب الشعر القصصي والتصويري ، واهم أعماله التاريخ العام وديوان الخليل ، ومن اشهر قصائده :
عبقت زنبقة الوادي
وقد أهدت سلاما
فأضاء الطيب اذ
حمّلته منك ابتساما
الأديب توفيق الحكيم ، ويعد من اكبر الأدباء العرب خلال فترة النهضة الأدبية وله مؤلفات عديدة في الرواية والمسرح ، أهمها :
أهل الكهف ، شهرزاد ، سليمان الحكيم و عصفور من الشرق ، راقصة المعبد و الرباط المقدس .
عميد الأدب العربي طه حسين ، وهو من اشهر دعاة التنوير في الوطن العربي ومن اشهر أعماله :
كتاب الشعر الجاهلي ، كتاب الايام ، ورواية دعاء الكروان .
عباس محمود العقاد ، تميز بدهاشة كتاباته وأسلوبه في الصياغة ، ومن اشهر كتاباته :
عبقرية محمد صل الله عليه وسلم ، معاوية في الميزان ، رجعة ابي العلاء المعري و ديوان العقاد .
محمد لطفي المنفلوطي ، صاحب كتابي النظرات والعبرات وبرع في كتابة القصص والإنشاء وتميز أسلوبه الأدبي في الكتابة اللغوية الرائعة .
حافظ إبراهيم ، وهو من مشاهير الشعراء العرب ومنافساً للشاعر احمد شوقي ولقب بشاعر النيل ، يتمتع بموهبة إنشاد الشعر وله ديوان في الشعر واهم قصائده :
رجعت لنفسي فأتهمت حصاتي
وناديت قومي فأحتسبت حياتي
رموني بعقم في الشباب وليتني
عقمت فلم أجزع لقول عداتي
ولدت ولما لم اجد لعرائسي
رجالا وأكفاء وأدت بناتي
وسعت كتاب الله لفظاً وغاية
وما ضقت عن آي به وعظات
فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة
وتنسيق اسماء لمخترعات
الشاعر قسطاكي بن يوسف الحمصي ، وهو كاتب ومؤلف له العديد من الكتب واهمها ، السحر الحلال في شعر الدلال ، مرآة النفوس و اناشيد من العهد القديم ومن ابرز نتاجه :
ان كان في بعض الشعر غير سديد
خذ من حديث النفس كل مفيد
فالنفس سر لم ينل ادراكه
مسترشد الا بفك قيود
فكأنه يعلو على متن الرّيا
ح بنفحة مقرونة بخلود
الأديب رفاعة الطهطاوي ، وهو رائد من رواد النهضة الأدبية وله العديد من المؤلفات والترجمة منها ، تخليص الإبريز في تلخيص باريز ، كتاب التعريفات الشافية لمريد الجغرافيا .
معروف الرصافي ، وهو شاعر ارتبط اسمه مع الشاعر جميل صدقي الزهاوي ، وكانت كتاباته خلاصة ما تضمنته النهضة الأدبية من عناصر نجاح وإخفاق ، وله مؤلفات عديدة منها : الرؤيا وأناشيد مدرسية ونفح الطيب في الخطابة والخطيب ، ومن اهم قصائده :
لقيتها ليتني ما كنت القاها
تمشي وقد اثقل الأملاق ممشاها
أثوابها رثة والرجل حافية
والدمع تذرفه في الخد عيناها
جميل صدقي الزهراوي ، وهو شاعر وفيلسوف ونظم الشعر بالعربية والفارسية ، وله :
على كل عود صاحب وخليل
وفي كل بيت رنة وعويل
وفي كل عين عبرة مهراقة
وفي كل قلب حسرة وعليل
وله في جميل شعره عن الدفاع عن حرية المرأة حين قال :
اسفري فالحجاب يا ابنة فهر
هو داء في الاجتماع وخيم
كل شيء الى التجدد ماض
فلماذا يقر هذا القديم ؟
اسفري فالسفور للناس صبح
زاهر والحجاب ليل بهيم
وقال أيضا في نفس الغرض :
مزقي يا ابنة العراق الحجابا
اسفري فالحياة تبغي انقلابا
مزقيه واحرقيه بلا ريث
فقد كان حارس كذابا
ولكن الشعر الحديث الذي جاء متزامناً مع عصر نهضته اختلف في شكله ومضمونه فخرج في بعض أصنافه عن أوزان البحور نظما وخرج مضمونًا عن أغراض الشعر التقليدية القديمة ، ولربما كانت اهم سماته :
– الابتعاد عن الألفاظ الصعبة والوحشية من اللغة العربية الأصيلة واللجوء الى الألفاظ اللينة والبسيطة التي تناسب العصر الحديث .
– الانتقال من موضوعات الشعر في الفخر واستهلاله بالغزل قبل الولوج الى الغرض ، وهذا ما نسميه بوحدة القصيدة الموضوعية .
– الخروج من قيود النظم وفق قواعد وأسس الكتابة على البحور والأوزان وربما عن القافية والروي كما في رواد كتابة الشعر الحر وقصيدة النثر .
– ظهور مدارس حديثة للشعر وكتابته من خلال إقامة تجمعات للشعراء يتقاسمون فيها الرأي والفهم مثل مدارس المهجر ، أمثال الشاعر ايليا ابو ماضي و خليل جبران اضافة الى مدارس الرابطة القلمية والبعث والأحياء .
ولنا في هذا حديث يطول لكثرة الشعراء والأدباء فيه واختلاف مناهلهم ومشاربهم ولعلنا نبدأ غير منحازين الى الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري الذي لقب بشاعر العرب الأكبر وهو يعتبر أيضًا من رواد النهضة الأدبية ، والجواهري له مؤلفات عديدة لازم فيها الشعر العربي الأصيل وخاض في بحوره وأجاد ، سنأخذ نموذجًا منها حيث يقول :
فداء لمثواك من مضجع
تنور بالابلج الاروع
بأبعق من نفحات الجنان
روحًا ومن مسكها اضوع
ويضيف في القول للإمام الحسين (عليه السلام):
كأن يدا من وراء الضريح
حمراء مبتورة الاصبع
تمد الى عالم من خنوع
والضيم ذي شرق مترع
تخبط في غابة اطبقت
على مذئب منه او مسبع
وله قصيدة أخرى عن دجلة الخير يقول فيها :
حييت سفحك عن بعد فحييني
يا دجلة الخير يا أم البساتين
حييت سفحك ضمآناً الوذ به
لوذ الحمائم بين الماء والطين
اني وردت عيون الماء صافية
نبعاً فنبعاً فما كانت لترويني
وبالانتقال الى شاعر اخر اتسم شعره بنفس القوة والبلاغة في النظم ، الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد الذي لقب بشاعر القرنين حيث يقول :
لا لم ارد منك شياّ لا تسألي مقلتيا
مذ غاب طيفك عني اغلقت بابي عليا
وها أنا والليالي تطوي العمر بي طيا
امشي وجرحي بقلبي وخيبتي في يديا
لا لا تظني بأني ما زلت كالأمس حيا
اني تحاملت كي لا أشمت الناس فيا
لا تلمسي كبريائي ما زال جرحي نديا
ذنبي مدى العمر اني كنت المحب الوفيا
ونبقى في سباق الشعراء الكبار في عصرنا الحديث لنذكر الشاعر محمد عمر البنا ، ومن قصائده في الغزل :
ابدا يؤرقني عبير شذاك
ويزيدني قلقًا دوام جفاك
ويردني من حالة العقلا الى
الخبال تذللي وإباك
ويزيدنا طرباً وحسن مسرة
برق تألف من ضياء سناك
يا ربة الحسن الذي فتن الورى
أ كذا يكون جزاء من يهواك
ولا يفوتنا ان نذكر من أعلام النهضة الأدبية العربية الشاعر ، سليمان الباروني الذي كان زعيم سياسي ومجاهد وله ديوان شعري منه هذه القصيدة :
الا ياضيف هل وجب الفرار
أم اشتاقت لطلعتك الديار
أم استعذبت بالله ارتحالا
على عجل ليقترب المزار
فأن يك ذا الجواب فلست ممن
ورب البيت ينفعه اعتذار
على أنا تواعدنا ولكن
لإجراء القضا نسخ القرار
كلانا منجز في القصد وعدا
ولكن الفتى فلك يدار
وأما من الشعراء الذين أرست لهم قواعد في عصرنا العربي الحديث ، الشاعر مفدي زكريا الذي نظم قصيدة يقول فيها :
الحب أرقني واليأس أضناني
والبين ضاعف آلامي وأحزاني
والروح في حب “ليلايَ” استحال إلى
دمعٍ فأمطره شعري ووجداني
لكِ الحياة وما في الجسم من رمق
ومن دماء ومن روح وجثمان
لك الحياة فجودي بالوصال فما
أحلى وصالك في قلبي ووجداني
ومن الشعراء الذين اتسم شعرهم بالوجدانية والحماسة ، الشاعر ابو القاسم الشابي الذي لمعت من أشعاره قصيدة إرادة الحياة التي يقول فيها :
اذا الشعب يوما أراد الحياة
فلا بد ان يستجيب القدر
ولا بد لليل ان ينجلي
ولا بد للقيد ان ينكسر
ومن لم يعانقه شوق الحياة
تبخر في جواها واندثر
اما ما بقي في ذاكرتنا من الشعراء الذين أجادوا في عصر النهضة وما بعدها فهو الشاعر بشارة الخوري ( الاخطل الصغير )اشتهر (بشاعر الحب والهوى )و (شاعر الصبا والجمال) والذي نظم قصيدة غاية في الاتقان والروعة يقول فيها :
سائل العلياء عنا والزمانا
هل خفرنا ذمة مذ عرفانا
المروءات التي عاشت بنا
لم تزل تجري سعيراً في دمانا
ضحك المجد لنا لما رآنا
بدم الأبطال مصبوغًا لوانا
عرس الأحرار ان تسقى العدى
اكؤساً حمرا وانغاماً حزانى
وللنهضة الأدبية العربية أيضًا علامات لرجال ساهموا باحياء الأدب العربي ومنهم الشاعر علال الفاسي الذي له نص جميل يقول فيه:
حوريتي بك منذ كنت هيامي
وتحيري في عالم الأحلام
ولحر وجهك لوعتي وصبابتي
وتطلعي في غيبتي ومقامي
ولقد عشقتك قبل عرفان الهوى
بل قبل عرفان الوجود الضامي
وثملت من كافور خدك قبل ان
يحظى الوجود بخمرة او جام
ومرحت في عرصات كونك قبل ان
يحظى الورى بالروض في الأكمام
وقبل ان نمضي الى ختام العصر الأدبي العربي في نهضته لابد من ذكر شعراء عصرنا العربي الحديث وشعرائه الذين كان لهم دورا كبيرا في الحركة الشعرية وتجديدها ، ولان المجال لا يسع لذكرهم وقراءة قصائدهم ، فاني سأنتقي منهم من شاع ذكره وتغنى به الناس تاركا الباقي من دون تحديد لاسمائهم إليكم اخواتي واخواني للتعرف عليهم وقراءة ما طاب لكم من قصائدهم المنشورة في المطبوعات والدواوين .
ولأهمية الذكر فاني سأذكر منهم ، الشاعر بدر شاكر السياب الذي اصبح رائداً للشعر الحر الذي تحرر من قيود الشعر القديم والوزن وله دواوين عدة أشهرها ( أنشودة المطر ، شناشيل ابنة الجلبي وغيرها ) وله من جميل ما كتب هذه المقطوعة الشعرية :
العيون الحور لو اصبحن ظلًا في شرابي
جفت الأقداح في ايدي صحابي
دون ان يحضين حتى بالحباب
هيئي، يا كاس من حافاتك السكرى مكانا
تتلاقى فيه يوما شفتانا
في خفوق والتهاب
وابتعاد شاع في آفاقه ظل اقتراب
كم تمنى قلبي المكلوم لو لم تستجيبي
من بعيد الهوى او من قريب
وكذلك لا بد من ذكر الشاعر إبراهيم طوقان والذي من اشهر قصائده ( موطني) الذي فيها يقول :
موطني .. موطني
الجلال والجمال والسناء والبهاء
في رباك
والحياة والنجاة والهناء والرجاء
في هواك
هل اراك سالما منعما
وغانما مكرماً
هل اراك في علاك
تبلغ السماك
موطني .. موطني
ولعل الشاعر نزار قباني قد أخذ حيزاً كبيراً في الشعر العربي الحديث واشتهرت قصائده في الغزل والحب حتى اصبح (شاعر المرأة) وله في حب الوطن قصيدة جميلة يقول فيها :
فرشت فوق ثراك الطاهر الهدبا
فيا دمشق ، لماذا نبدأ العتبا ؟
حبيبتي انت ، فأستلقي كأغنية
على ذراعي ، ولا تستوضحي السببا
انت النساء جميعا ، ما من امرأة
احببت بعدك الا خلتها كذبا
وأخيرا على قدر ما يسمح المجال لنختم بالشاعر محمود درويش الذي له نص شجي يقول فيه :
وضعوا على فمه السلاسل
ربطوا يديه بصخرة الموتى
وقالوا : انت قاتل
اخذوا طعامه والملابس والبيارق
ورموه في زنزانة الموتى
وقالوا : انت سارق
طردوه من كل المرافئ
اخذوا حبيبته الصغيرة
ثم قالوا : انت لاجئ
سأكتفي بهذا القدر الذي ورد لزاما لاهميته ولكي امضي معكم الى ختام الموضوع ان شاء الله في حلقة قادمة نلخص فيها حافظة الشعر العربي ولنختم في اخرها ما استنتجنا واستنبطنا من أحداثها .
تقبلوا مني كل آيات الود والامتنان ولنا لقاء متجدد باذن الله تعالى.
………………………………………….
عبد الكريم احمد الزيدي
العراق / بغداد