حافظة الشعر العربي
(الحلقة السادسة)
عبد الكريم احمد الزيدي
العراق / بغداد
نتكلم في حلقتنا هذه بأسف وأسىً وحزن عالٍ لما في تاريخنا العربي من ظلم وإجحاف ناله بسبب ما مر به من محن وظروف ودهر قاهر بعد سقوط وانهيار حضارته التي ازدهرت حتى نهاية تاريخ الحكم العباسي في بغداد ودخول التتر وإسقاطها في العام ١٢٥٨ م ، وانهيار وتداعي الخلافة في الأندلس لضعف حكامها المتأخرين في العام ١٤٩٢م .
ان الفترة التي تلت هذا التاريخ اسماها كثير من المؤرخين والكتاب بالفترة المظلمة التي نختلف ورأينا نحن في هذا المسمى ، ( فالجسد يضعف ويهن ويمرض وهذا الحال من دوام المحال فبعد كل مرض صحوة وشفاء لهذا الجسد المعتل) ، ولسبب واحد هو ان ما ساد ظلمة هذه الفترة لا يعود لتقصير او انحطاط وجهل في أهلها العرب ولكن لظروف ما لحق بأرضها وتاريخها الحضاري الذي اذا ما تصورنا فعل التتر في بغداد وتعمدهم في طمس كل اثر علمي او ثقافي او فني حتى يصور لنا الرواة انهم اقدموا على حرق الكتب والمخطوطات والنفائس من ما حفظه لنا التاريخ لحد البطش بها والعاملين على حفاظها وجعلوا من مقتنياتها ونفائسها جسراً عبروا به صوب نهر دجلة الذي كان يضم مقر الخلافة وحاضرها لينهوا اخر معلم حضاري تراثي وتاريخ لم يحافظ عليه أهله وقتل رمزه الخليفة العباسي المستعصم بالله ، وبنفس الحالة والضعف كانت نهاية سقوط الأندلس باستسلام اخر ملوك غرناطة ابو عبد الله الصغير الذي وقف على قصر الحمراء في غرناطة باكيا على عرشه الذي ضاع في العام ١٤٩٢م ، وتلك المقولة الشهيرة التي ظلت حاضرة الى وقتنا هذا من امه الأميرة عائشة وهي تعذله قائلة ( ابكي كالنساء على ملك لم تحافظ عليه الرجال ).
تلك كانت اخر عهد الحضارة العربية وتاريخها التليد وعنفوان وازدهار فنونها وعلومها وثقافتها ، وما يحز النفس ويؤلمنا اننا لم نستطع طيلة هذه الفترة التي استمرت قرونا ان نجد او نعثر على ما يشير الى حدث ثقافي او علمي او فني نحفظ به عهدًا طويلًا من الضعف والتمزق والفرقة الى حديث عهدنا بما يسميه المؤرخين بالتاريخ العربي الحديث الذي سنأتي عليه في حلقتنا القادمة ونعرج على معالم النهضة الثقافية والعلمية فيه وظهور ثلة من كبار الشعراء والأدباء فيه والذين بفضلهم عادت الحياة الأدبية ثانية وختم بهم عهدنا الحالي ليصل الى ما وصلنا اليه.
ان أهمية قراءة التاريخ العربي بعد سقوط حضارته في بغداد والأندلس درسًا أتمنى من الجميع البحث فيه واستذكاره لا لعنوانه المظلم واسى خسارته فحسب ولكن لمقارنة ثقافته وعلومه والفنون العامة بين ماضيه وحاضره ، لأترك لكم الحكم والتقييم .
سأكتفي بهذا القدر الذي ورد لزاما لاهميته ولكي امضي معكم الى متن وختام الموضوع ان شاء الله في منشور اخر .
تقبلوا مني كل آيات الود والامتنان ولما لقاء متجدد باذن الله تعالى.
………………………………………….
عبد الكريم احمد الزيدي
العراق / بغداد