بقلم : كوثر عشماني – المغرب
يظل موضوع الحركة النسوية من القضايا الراهنة التي تعرف أخذا و ردا بين فئات المجتمع سواء أكان عربيا أم غربيا ، إذ يعتبر هو الآخر من المواضيع و الإديولوجيات الدسمة التي تتجرأ عليها الألسن من كل بقاع الأوطان النامية و المتقدمة .
فقبل الشروع في مناقشة أي فكرة أو رأي أو ظاهرة معينة بعمق ، من الحتمي أن نستطلع أولا الصورة العقلية المغروسة لدى فئة معينة من الأشخاص بصفتهم أفراد في المجتمع العربي بخصوص الحركة المراد طرحها في هذا المقال من القراء الأعزاء ..
لنتخيل أنفسنا في مقهى رجالي و دخل رجل على العامة على حين غرة و قام بذكر مصطلح ( النسوية )، سيتبادر في الحال كتمثل أولي إلى ذهن الجموع بنسبة صاعدة إمرأة بقصة شعر قصيرة ، و أحمر شفاه مثير للإنتباه ، تلقي بمصطلحات فرنسية تارة و إنجليزية تارة أخرى لتعطي انطباعا بإدراكها لماهية الأشياء و ثقافتها اللامحدودة بجل المواضيع.
لنترك هذه التمثلات و الصور النمطية جانبا و نناقش ما الذي دفع مجموعة من النساء اللواتي يؤمنَّ بقضيتهن و جعلها هدفا يجب تحقيقه و لو كلف الأمر الأرواح و الأجساد إلى مناهضة الفكرة السائدة المتخلفة عن المرأة .
تعتبر الحركة النسوية أو ما يصطلح عليه بالفيمينيزم مجموعة من الحركات و الإديولوجيات السياسية و الإجتماعية التي ظهرت في زمن مبكر ، إلا أنها عرفت تيارا آخر بين القرن التاسع عشر و العشرين عند الغرب ، بعد أن تم تهميش المرأة بصورة مباشرة و تفقيرها لأبسط حقوق الإنسان ، لتنتفض بعد ذلك النساء و تطالب بالمساواة الاجتماعية و الاقتصادية و الفكرية الكاملة بين الجنسين ، و كذا القضاء على العنف من طرف الجنس الذكري و الاستحقار الذاتي للمرأة ، و مجموعة من الحقوق الشرعية الأخرى كالحق في العيش الكريم في ظروف ملائمة موازاة مع الرجل ، نبذ و مناهضة الإغتصاب و التحرش الجنسي
، كذلك الحق في التعليم و العمل و التمتع بمختلف الحقوق المدنية ، الاجتماعية و الاقتصادية بشكل عام .
عند النظر عن كثب إلى هاته الحقوق ، يجدها المرء منطقية و شرعية إلى حد ما ..باعتبارها حقوق و مكاسب إنسانية لكل فرد يعيش في دولة يحكمها القانون .. إلا أن الحركة النسوية عرفت نزعة أخرى خلال الدهور التالية في المجتمع العربي .باعتباره مجتمع إسلامي محافظ تحكمه عادات ، أفكار و مبادئ دينية إسلامية ، فسرعان ما باتت تطالب على سبيل المثال بالحق في الإجهاض ، المساواة في الإرث ، التشجيع على العلاقات خارج اطار الزواج …و غيرها من الحقوق التي تتضارب بشكل كبير مع إديولوجية المجتمع العربي مما يخلق شد و رد بين مختلف الأفراد :كعلماء و فقهاء الدين و زعماء الحركة النسوية ، بين الرجال و النساء على حد سواء ، فنجد على سبيل المثال المفكرة و الكاتبة نوال السعداوي التي تقول في مؤلفها مذكرات طبية :“نقطة الضعف التي يرتكز عليها الرجل في محاولته السيطرة على المرأة ، حمايتها من الرجال ، غيرة الذكر على أنثاه ، يدعي أنه يخاف عليها وهو يخاف على نفسه ، يدعي أنه يحميها ليستحوذ عليها ويغلق عليها أربعة جدرانه…” إذ تعتبر هذه الأخيرة أن المراة في منظور المجتمع العربي مجرد سلعة عند الرجل ، يحكمها و يسيطر عليها كيف ما يشاء ، و أنها مجرد جسد يفرغ فيه الرجل شهواته لتبقى هي ذات و عقل تافه.فقد حاولت نوال السعداوي من خلال محضاراتها و مؤلفاتها إلى دس أفكار أخرى مخالفة لعقيدة المجتمع ، فلم تنتفض و لم تجادل و لم تتمرد لرغبة عبثية منها ، بل للحصول على مساواة كاملة مع الرجل .
بعد صراع زمني و انتفاضة دهرية ، تمكنت المرأة من الحصول على جزء كبير من مختلف الحقوق التي تخول لها العيش في مستوى كريم وسط المجتمع ، الا أنها أزالت قناعها و عرّت عن مطالب أخرى لا تقبلها الفطرة السوّية ، تدمر من خلالها أخلاقيات و أسس الأفراد و المجتمعات ، إذ باتت تبيح العلاقات الجنسية قبل الزواج ، بل أكثر جرأة من هذا ، أضحت تبيح الشذوذ الجنسي و استحقار دور الرجل في المجتمع بشكل كامل…هي مطالب لا تخالف فقط المجتمع بأفكاره ، بل تتضارب بشكل كلي مع الفطرة السليمة مما يخلق صراعا شديدا يؤثر سلبا على أفكار الأجيال .
ان الفرق بين الجوهر أي الحركة الأصلية و بين المسيح الدجال أو ما يطلق عليه بفمنيسيت العصر التي تسعى لتحليل المراة أخلاقيا و الوصول إليها لا تحريرها و ذلك لخدمة سياسية و مصالح شخصية ليس حبا في سواد عيونها ، فشتان بين الأولى و الثانية ، كالفرق بين العالم الورع التقي و بين تاجر الدين ، كلاهما يدعو لعبادة الله لكن لإحداهما هدف نبيل و الأخر هدف خبيث بغلاف طاهر …ليبقى الإسلام بريئا من كل الإدعاءات ، فقد كرم الدين الإسلامي الحنيف المرأة بشكل خاص ، بعد زمن الوأد و شعور الذل و العار بإنجاب طفلة أنثى بريئة بين الأقوام و المتاجرة بها في زمن الجاهلية ، إذ نص الإسلام على الحفاظ على رقتها و عفتها ، جاعلا الحجاب سترا لها ، و الرجل حارسا لها ، قام بإسقاط النفقة عنها ، و مكارم أخرى تميزها عن باقي النساء في الديانات الأخرى .