تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ .

تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ .

محمد أبوالنصر.

قال تعالى {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253)
قوله {تِلْكَ الرسل فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ} أي أولئك الرسل الكرام الذين قصصنا عليك من أنبائهم يا محمد هم رسل الله حقاً، وقد فضّلنا بعضهم على بعض في الرفعة والمنزلة والمراتب العالية فالمرسلين ليسوا في درجة واحدة بل بعضهم أفضل من بعض كما يكون التفاضل بين البشر.
{مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ الله} أي منهم من خصّه الله بالتكليم بلا واسطة كموسى عليه السلام
{وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} {دَرَجَاتٍ} جمع درجة وهي المنزلة الرفيعة السامية. أي ومنهم من خصّه اله بالمرتبة الرفيعة السامية كخاتم المرسلين محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فهو سيد الأولين والآخرين في الدنيا والآخرة، وكأبي الأنبياء إِبراهيم الخليل
{وَآتَيْنَا عِيسَى ابن مَرْيَمَ البينات}{البينات} المعجزات. أي ومنهم من أعطاه الله العجزات الباهرات كإِحياء الموتى وإِبراء الأكمة والأبرص والإِخبار عن المغيبات
{وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ القدس}{وَأَيَّدْنَاهُ} قويناه من التأييد بمعنى التقوية. {رُوحِ القدس} القدس: الطهارة وروح القدس جبريل عليه السلام.
أي قويناه بجبريل الأمين وهو عيسى ابن مريم
{وَلَوْ شَآءَ الله مَا اقتتل الذين مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ البينات} أي لو أراد الله ما اقتتل الأمم الذين جاؤوا بعد الرسل من بعد الحجج الباهرة والبراهين الساطعة التي جاءتهم بها رسلهم، فلو شاء الله ما تنازعوا ولا اختلفوا ولا تقاتلوا، ولجعلهم متفقين على اتباع الرسل كما أنّ الرسل متفقون على كلمة الحق
{ولكن اختلفوا فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ} أي ولكنَّ الله لم يشأ هدايتهم بسبب اختلافهم في الدين وتشعب مذاهبهم وأهوائهم، فمنهم من ثبت على الإِيمان ومنهم من حاد وكفر
وقوله {مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ الله … } الآية تفصيلٌ لذلك التفضيل ويسمى هذا في البلاغة: التقسيم وكذلك في قوله: {فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ} وبين لفظ «آمن» و «كفر» طباقٌ.
{وَلَوْ شَآءَ الله مَا اقتتلوا ولكن الله يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} أي لو شاء الله لجعل البشر على طبيعة الملائكة لا يتنازعون ولا يقتتلون ولكنّ الله حكيم يفعل ما فيه المصلحة، وكلُّ ذلك عن قضاء الله وقدره فهو الفعال لما يريد
وفي قوله: {وَلَوْ شَآءَ الله مَا اقتتلوا} إِطناب حيث كرر جملة {وَلَوْ شَآءَ الله}
{ياأيها الذين آمنوا أَنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم} أي أنفقوا في سبيل الله من مال الله الذي منحكم إِيّأه، ادفعوا الزكاة وأنفقوا في وجوه الخير والبر والصالحات
{مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ}
{خُلَّةٌ} الخُلَّة: الصداقة والمودة سميت بذلك لأنها تتخلل الأعضاء أي تدخل خلالها ومنه الخليل.
{شَفَاعَةٌ} مأخوذة من الشفع بمعنى الضم، والشفاعة الانضمام إِلى آخر ناصراً له وسائلاً عونه. أي من قبل مجيء ذلك اليوم الرهيب الذي لا تستطيعون أن تقتدوا نفوسكم بمالٍ تقدمونه فيكون كالبيع، ولا تجدون صديقاً يدفع عنكم العذاب، ولا شفيعاً يشفع لكم ليحط عنكم من سيئاتكم إِلا أن يأذن الله ربّ العالمين
{والكافرون هُمُ الظالمون} أي لا أحد أظلم ممن وافى الله يومئذٍ كافراً، والكافر بالله هو الظالم المعتدي الذي يستحق العقاب.
{والكافرون هُمُ الظالمون} قصر صفة على الموصوف، وقد أكدت بالجملة الاسمية وبضمير الفصل. روي عن عطاء بن دينار أنه قال: الحمد لله الذي قال: {والكافرون هُمُ الظالمون}
ولم يقل: «والظالمون هم الكافرون» ومراده أنه لو نزل هكذا لكان قد حكم على كل ظالم بالكفر فلم يخلص منه إِلا من عصمه الله.
ويحتمل أن يراد بالكفر المعنى الحقيقي أو المجازي فيكون المراد بالكافر تارك الزكاة كما ذهب إِليه الزمخشري حيث قال: أراد والتاركون للزكاة هم الظالمون، وإِيثاره عليه للتغليظ والتهديد كما في آية الحج {وَمَن كَفَرَ} [البقرة: 126] مكان «ومن لم يحج» ولأنه جعل ترك الزكاة من صفات الكفار في قوله: {وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ الذين لاَ يُؤْتُونَ الزكاة} [فصلت: 6 – 7] #الترتيب_والتنوير_على_صفوة_التفاسير .
#محمد_أبوالنصر.

شاهد أيضاً

لشكر قيد النعم 

 الشكر قيد النعم  كتب سمير ألحيان إبن الحسين ألا بنعمة ربك فحدث : التقدير وشكر …