متابعة/ بركات الضمراني
في تصريحات لخبير امن المعلومات مصطفى زين أبو ماضي
في عصر التحول الرقمي الذي يشهده العالم، أصبحت منصات التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها تيك توك، جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. هذه المنصات، التي بدأت كوسيلة للترفيه والتعبير عن الذات، تحولت تدريجيًا إلى ساحات معقدة تتشابك فيها الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، بل وأحيانًا الإجرامية. من بين أخطر الظواهر التي بدأت تظهر على السطح مؤخرًا هو استخدام تيك توك كأداة لعمليات غسيل الأموال، وهو ما يستدعي وقفة جادة لفهم هذا التحدي الأمني الجديد ومواجهته.
تيك توك: منصة الشهرة السريعة إلى بوابة للجريمة
تيك توك، بطبيعتها، تعتمد على جذب المشاهدات وتحقيق التفاعل من خلال مقاطع فيديو قصيرة، غالبًا ما تكون ترفيهية أو مثيرة للجدل. هذا النموذج يتيح لصناع المحتوى، أو ما يُعرف بالتيك توكرز، جني أرباح مالية كبيرة من خلال الهدايا الرقمية والبث المباشر. لكن هذه الآلية المالية، التي تبدو بريئة في ظاهرها، أصبحت أرضًا خصبة لعمليات غسيل الأموال. فكيف يحدث ذلك؟
وضح مصطفى زين ابوماضي ان غسيل الأموال، ببساطة، هو عملية تحويل الأموال غير المشروعة إلى أموال تبدو قانونية. على تيك توك، يتم ذلك عبر تحويل الأموال من حسابات مجهولة أو وهمية إلى صناع محتوى، غالبًا في شكل هدايا رقمية أو عملات افتراضية يتم تحويلها لاحقًا إلى أموال حقيقية. هذه العملية تتم بطريقة تجعل تتبع مصدر الأموال شبه مستحيل، خاصة مع استخدام بطاقات بنكية مسروقة أو حسابات مشفرة على الإنترنت المظلم (الدارك ويب).
الحملات الأمنية: خطوة نحو التصدي
في مصر، شهدنا خلال الفترة الأخيرة حملات أمنية مكثفة استهدفت عددًا من مشاهير تيك توك المتورطين في قضايا غسيل الأموال. وهناك بعض الحالات التي اتهمت بتحقيق أرباح غير مشروعة من محتوى مخالف للقيم المجتمعية، ثم استخدام هذه الأرباح لشراء وحدات سكنية بهدف إضفاء الشرعية عليها. التحقيقات كشفت أن حجم الأموال المغسولة في احدى القضايا وصل إلى حوالي 15 مليون جنيه.
واضاف مصطفى زين ابوماضي ان هذه الحملات، التي قادتها وزارة الداخلية المصرية، تؤكد على وجود تطور نوعي في أدوات الرصد والتحقيق. الأجهزة الأمنية باتت تعتمد على تقنيات متطورة لتتبع المسارات المالية المشبوهة، بما في ذلك تحليل الحسابات البنكية ومراقبة التحويلات الإلكترونية. لكن التحدي يكمن في تعقيد هذه العمليات، خاصة مع استخدام العملات المشفرة وحسابات مجهولة المصدر، مما يتطلب تعاونًا دوليًا وتشريعات أكثر صرامة.
الوجه الآخر: المسؤولية الاجتماعية والثقافية
المشكلة لا تقتصر على الجانب الأمني فحسب، بل تمتد إلى البعد الاجتماعي والثقافي. محتوى تيك توك، الذي يعتمد غالبًا على الإثارة والابتذال لجذب المشاهدات، يسهم في تآكل القيم الأخلاقية ويشجع على السعي وراء الشهرة السريعة والأرباح السهلة. هذا النوع من المحتوى لا يهدد النسيج الاجتماعي فحسب، بل يفتح الباب أمام استغلال المنصة في أنشطة غير قانونية، كما أشار إليه عدد من الخبراء.
من هنا، يصبح من الضروري أن تبدأ المواجهة من البيت والمدرسة، عبر تعزيز القيم الأخلاقية وتوعية الشباب بمخاطر اللهث وراء التريند. المجتمع مدعو لإعادة ضبط البوصلة، بحيث يكون التأثير الرقمي إيجابيًا، لا أداة لنشر السم الرقمي تحت ستار الترفيه.
حلول مقترحة: الرقابة والتشريع
لحل هذه الأزمة، يجب اتباع نهج شامل يجمع بين الرقابة التكنولوجية والتشريعات القانونية. أولاً، ينبغي على منصة تيك توك تحسين آليات الرقابة على الأموال المتداولة عبرها، خاصة الهدايا الرقمية والبث المباشر.
ثانيًا، يتعين على الحكومات، بما في ذلك مصر، فرض تراخيص صارمة على صناع المحتوى الذين يحققون أرباحًا مالية، مع مراقبة مصادر هذه الأموال.
كما أن قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 في مصر يمثل خطوة مهمة، لكنه بحاجة إلى تحديث مستمر لمواكبة التطورات التقنية. العقوبات المفروضة، التي تشمل السجن والغرامات، يجب أن تكون رادعة بما يكفي لمنع تكرار هذه الجرائم.
وفي النهايه تيك توك، كغيرها من المنصات الرقمية، هي سلاح ذو حدين. إذا استُخدمت بشكل إيجابي، يمكن أن تكون أداة للإبداع والتواصل. لكن عندما تتحول إلى منصة للجريمة، كغسيل الأموال، فإنها تشكل تهديدًا حقيقيًا للمجتمع. مواجهة هذه الظاهرة تتطلب جهودًا مشتركة بين الأجهزة الأمنية، وصناع القرار، والمجتمع ككل. إن الحفاظ على القيم الأخلاقية والاقتصادية يبدأ من وعي الجميع بمخاطر الاستخدام غير المسؤول لهذه المنصات، والعمل الجاد لتحويلها إلى أدوات بناءة، لا هدامة.