تغريدة الشعر العربي
السعيد عبد العاطي مبارك الفايد – مصر
*******************
((( النبي محمد – صلى الله عليه و سلم – ونقد الشعر ٠٠ !! )))
إن من البيان سحرا و من الشعر لحكمة ٠
روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : “أصدق كلمةٍ قالها شاعر، قول لبيد :
ألا كل ما خلا الله باطل”٠
٠٠٠٠٠
عزيزي الصديق الكريم :
باديء ذي بدء الحديث عن الشعر و الشعراء ذو شجون و لم َ لا فهو علم العرب الأول وفنهم الذي برعوا فيه ٠٠
و كان الصحابة بعد رسول الله يفسرون بعض معاني كلمات القرآن الكريم بشواهد من شعر العرب الجاهلي قبل الدعوة المحمدية الخاتمة هكذا ٠٠
و عند مطالعتنا لفن نقد الشعر و الحُكم عليه نجد في صدر الإسلام الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لا يقول الشعر و لكنه يتذوقه و ينقده ، و الصحابة رضوان الله عليهم جميعا يقولون الشعر و ينقدوه و من بعدهم الخلفاء والحكام أيضا ٠
و من خلال رأي المتواضع في عجالة نعود إلى نقد الشعر مرة أخرى و لكن هذه المرة الرسول صلى الله عليه وسلم ناقدا له ٠
فديوان العرب ( الشعر ) مرآة العرب فيه حياتهم وقصصهم قبل الإسلام و يشهد ذلك الشعر و النثر و كان عندهم أسواق للشعر حيث كان الشعر علمهم الأول الذي خلد حياتهم و كان الشعر هو علمهم و الشاعر يسمى بالعالم الذي يروي عنهم أيامهم و قصصهم وبطولاتهم فيباركون ميلاد شاعر في القبيلة و إنشاد الشعر في الحرب و السلم بأغراضه وفنونه واتجاهاته المعروفة فكان الأعشى صناجة الشعر و العرب هكذا ٠٠
ثم نزل القرآن الكريم بلغتهم لغة العرب ولسان قريش في الجزيرة العربية فكان جنسا جديدا غير مألوف لا شعر و لا نثر و شهد بذلك أساطين اللغة و عمالقة فن الشعر آنذاك ٠
و من ثم نجد أن الرسول العربي الهاشمي القرشي صلى الله عليه وسلم لم يقل الشعر ولم يتعلمه لحكمة بالغة ٠
إلا أنه كان يعجب له ويطرب طرب العربي صاحب الذوق السليم ٠ فالرسول صلى الله عليه وسلم تربى في بني سعد حيث الفصاحة وسلامة الذوق في تلك البيئة ، فعنده الحس و ملكة القدرة على تمييز الحسن من القبيح من الكلام ٠
و على أية حال لا نغفل دور الشخصية المحمدية
في النقد و تذوق الشعر
، فقد كان النبي يستمع للشعراء و يستحن الشعر و من ثم اتخذ لنفسه شعراء و كان يوجههم نحو القيم الإنسانيةالنبيلة في إطار الأخلاق، كما يستخدم الشعر مثل شعر المقاومة
، فيعجب به الرسول صلى الله عليه وسلم و يمنح الشعراء إجازة عليه كما فعل مع بعض شعرائه و مع كعب بن زهير الخنساء و غيرهم كثيرون ٠
و مدى توجيه صلى الله عليه وسلم لدعوة الشعراء للمنافحة عن الدعوة وهجاء المشركين الذين وقفوا في وجه الدعوة الإسلامية، فالشعر سلاح المقاومة ونصرة الدعوة ٠
و من ثم ظهرت معارك كلامية بين المسلمين والمشركين بجانب المعركة الحربية، وأن شعراء المسلمين كانوا يقفون في صف واحد أمام شعراء المشركين، كي يردوا عليهم افتراءاتهم وأباطيلهم التي كانوا يرمون بها الإسلام والمسلمين، لذلك لا نعجب إذا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم شعراء المسلمين من أمثال :
حسان بن ثابت وكعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة – إلى الدفاع عن الإسلام، وإلى الدعوة إليه، ومما يدل على ذلك ما روي أنه:
لما كان عام الأحزاب، وردّ الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً، قال الرسول:
“من يحمي أعراض المسلمين؟ ”
فقال كعب بن مالك:
أنا يا رسول الله! ٠
وقال عبد الله بن رواحة: أنا يا رسول الله! ٠
وقال حسان: أنا يا رسول الله! ٠
فقال عليه الصلاة والسلام:
” نعم اهجهم (يعني حساناً) فإنه سيعينك روح القدس”.
وروي أيضا أن رسول الله قال:
“أمرت عبد الله بن رواحة، فقال وأحسن وأمرت كعب بن مالك فقال وأحسن، وأمرت حسان بن ثابت فشفى واشتفى” ولا عجب إذا رأينا رسول الله يستحسن الشعر، ويستنشده أصحابه ويمدح به، ويثيب عليه، بل ينقده ويصلح منه.
و من خلال الدراسات الأدبية نلمح المقاييس النقدية عند الرسول كما نلاحظ أن الرسول الكريم قد جاء بدين قويم يدعو إلى الفضائل، وينهى عن الرذائل، ويدعو – قبل ذلك وبعده – إلى عبادة إله واحد لا شريك له، وإذا لاحظنا ذلك علمنا أن المقاييس النقدية التي كان على أساسها يحكم الرسول على الشعر ويبني نقده وتوجيهه له – هي المقاييس والأسس الإسلامية التي جاء بها القرآن الكريم، من التسامح والتواضع والعدل والإحسان والخلق الحسن، وهي الأسس والمقاييس العربية التي أقرها الإسلام، كالكلام والشجاعة والنجدة وحفظ الجوار، وهذه الأسس هي أسس تتصل بالمعاني التي يجب يدور حولها الشعر، وإذا كان الرسول الكريم قد اتخذ من المعاني الإسلامية والتوجيهات الخلقية لهذا الدين مقياساً وأساساً ينقد الشعر على أساسه، ويصلح منه – فإنه قد اتخذ من القرآن الكريم أسلوباً ولفظا ونظماً أساساً له ومنهاجاً؛ لما امتاز به من سماحة في القول، وسلامة في التعبير، وطبعية في الأسلوب، وبعد عن التكلف والغلو و معاظلة الكلام و التشدق و السجع المقيد مثل سجع الكهان .
ولا نعجب إذا رأينا شعراء المسلمين يتمثلون القرآن الكريم في شعرهم – على اختلاف فنونه وأغراضه – يتمثلونه معنى وموضوعاً، وأسلوباً ونظماً، فيبنون فخرهم ومدحهم وهجاءهم .. على أسس من المبادئ ٠
* نقد تطبيقي للرسول صلى الله عليه وسلم للشعر و الشعراء :
—————————–
فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أُعطى جوامع الكلم ٠٠
و كان يقول :
إن من البيان سحرا و من الشعر لحكمة ٠
فيعجب الرسول صلى الله عليه وسلم بشعر النابغة الجعدي، ويقول له:
“لا يفضُض الله فاك”، وبلغ من استحسانه لقصيدة (بانت سعاد) أن صفح عن كعب وأعطاه بردته، واستمع إلى الخنساء واستزادها مما تقول ٠
وتأثر تأثرا رقيقا لشعر قُتيلة بنت النضر ٠
روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : “أصدق كلمةٍ قالها شاعر، قول لبيد:
ألا كل ما خلا الله باطل”. ونلاحظ من هذا الحكم الذي حكم به الرسول صلى الله عليه وسلم على قولة لبيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد رأى فيها ما يتسق مع الروح الإسلامية، ويترجم عن وحي الإسلام.
وحينما ينشده النابغة الجَعدي قصيدته التي مطلعها:
خليلَيّ عُوجا ساعة وتهجَّرا * ولُوما على ما أحدَث الدهر أو ذرا ٠
يُعجب الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الشعر، وحينما يبلغ قوله :
بلَغْنا السماءَ مجدُنا وجدودُنا * وإنا لنرجو فوقَ ذلك مَظهرا ٠
يظهر الغضب في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقول للنابغة: “إلى أين أبا ليلى؟ ” فقال:
إلى الجنة، فيقول الرسول -وقد اطمأن إلى أنه حين عبّر بمجد جدوده المتطاول قد انتهى إلى التطلع في ظل الإسلام إلى ما هو أعظم :
“نعم إن شاء الله”.
ويمضي النابغة قائلا :
ولا خير في حِلمٍ إذا لم تكن له * بوادرُ تحمي صَفوَه أن يُكدَّرا ٠
ولا خير في جهل إذا لم يكن له * حليمٌ إذا ما أورد الأمر أصدرا ٠
فيزداد ارتياح الرسول الكريم إلى ما يسمع من وحي الروح الدينية، ومن التوجيه الخلقي الرشيد، ويقول له: “لا يَفضُض الله فاك” .
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحسن قول طرفة بن العبد ويتمثل به، وهو قوله :
ستُبدي الأيام ما كنت جاهلا * ويأتيك بالأخبار من لم تُزوّد ٠
ويطرب الرسول لشعر كعب بن زهير حين يمدحه بقصيدته التي مطلعها:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول * متيم إثرها لم يفد مكبول ٠
وحين يبلغ كعب قوله:
إن الرسول لنور يستضاء به * مهند من سيوف الهند مسلول ٠
يصلح له الرسول قوله هذا ويجعله :
إن الرسول لنور يستضاء به * مهند من سيوف الله مسلول ٠
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما على كعب بن مالك، وهو ينشد، فلما رآه كعب بدا كأنه انقبض، فقال الرسول:
“ما كنتم فيه؟ ” ٠
قال: كنت أنشد، فقال له: “أنشد” ٠
فأنشد حتى أتى على قوله:
مَجالِدنا عن جِذْمِنا كل فخمة ٠
فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم:
“أيصح أن تقول:
مَجالِدنا عن ديننا كل فخمة؟
قال: نعم، فقال له:
“فهو أحسن”.
والجذم هو الأصل .
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم التكلف و التصنع و التشادق و المعاضلة في الكلام ٠٠
وروي أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر في دية الجنين بغُرّة ” أي العبد أو الأمة ” ٠
فقال أحدهم:
يا رسول الله ! أأدي ( أدفع الدية ) من لا شرب ولا أكل، ولا نطق ولا استهل، ومثل ذلك يُطل ” يهدر ويبطل ” ، فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم جانبا، واتجه إلى المتكلم، فأنكر عليه أسلوبه ومنطقه، وقال له:
“أسجعا كسجع الكهان”؟!.
هذه كانت بعض مأخذ و ملاحظات الرسول صلى الله عليه وسلم على كلام الشعراء مدخل للنقد في ظل الإسلام بتوجيه منه صلى الله عليه وسلم نحو الأسلوب و التعبير و المنطق الجميل والارتقاء بالتذوق الفني والحكم على المفردات و التراكيب و المعاني وهذا من خلال معرفة اللغة و البلاغة ومقاييس جودة الكلام ٠٠
و من يراجع هذا يجد الكثير و الكثير من المسائل و القضايا الشعرية في مناسبات ولقاءات متعددة و كان يثني على الشاعر و يجزل العطاء و يؤيده حينما يرى رسالة الشعر كان يخدم الإنسان و المجتمع معا دائما ٠
مع الوعد بلقاء متجدد لتغريدة الشعر العربي إن شاء الله ٠