بناء الرجال أصعب من بناء المصانع 

بناء الرجال أصعب من بناء المصانع 
سعيد الصادق يكتب
من الإسماعيليّة
لافتة على مبنى إدارة مدرستنا{الزقازيق الثانوية العسكرية التجريبية } بمنشية أباظة تشعرك بالعزة ، وأنتقلنا من عالم القرية بثقافته وتقاليده ، إلى عالم أكثر رحابة وتقدماً ، وذهبنا إلى قسم الحريرى حيث غرفة معيشتنا القادمة مشتركة مع عائلة من الزوجين وخمسة أولاد وبنات لصاحبتها (أم غريب) تلكم السيدة جامدة الملامح سمراء البشرة جاوزت الخمسين من العمر ، وقفت تتأمل ملامحنا أطفال أبرياء تقول بلهجة آمرة ونحن نرتعد خوفاً منها :-
لا زيارات لا تهريج لانور ولا دخول للمنزل بعد التاسعة ، فهالنى مفتاح الكهرباء لأن بلدنا مكنش فيها كهرباء ففتحته واغلقته ثلاث مرات فرحاً بالنور فنهرتنى بغيظ هتحرق اللمبة ، فالتزمت الصمت رعباً ٠
تنفست الصعداء عندما خرجت ، ورتبنا غرفتنا التى شاركنى فيه رفيق الدرب صديق العمر(محمد الصريدى) مقابل نصف جنيه شهريا لكل واحد ، بعد ما فرشنا الحصير المصنوع من السمار فرشنا اللحاف كل واحد نصف لحافة تحته ونصه فوقه ، ورصينا الحلة والاطباق الصاج وأكواب وكنكة الشاى على قفص جريد بجواره وضعنا الوابور أبو شرايط صناعة عمى على أبو مهدى وكان تمنه٧٥قرش ٠
خلدنا إلى نوم عميق متعجلين فجر جديد يحمل لنا حياة جديدة ، قمنا فجراً لدخول دورة المياة والصلاة قبل قيام شركاء الشقة ٠
صلينا وأرتدينا ملابسنا وقطعنا مسافة كيلومتران للوصول لمدرستنا صباحاً ، وخلال رحلتنا من قسم الحريرى مارين بجلال بتاع الفول والممر وشارع مولد النبى ، سيارات وعربات حنطور ، وتلاميذ وتلميذات مترجلين وركباناً ، كلٍ على عجل للحاق بعمل أو مدرسة سيدات يرتدين عبايات ملس تظهر وجوههن كاقمار فى ليلة ظلماء ، وبنات يرتدين تنورات زرقاء وبلوزات بيضاء تلميذات إعدادى ، وأخريات يرتدين تنورات رمادى وقمصان رصاصى طالبات ثانوى وتجارة ، كن كزهور متفتحة فى حديقة غناء ، مخابز وحلويات وعطور ومكتبات ونيازى للعطور وعمر أفندى ووصلنا لشارع البوسته ، حلوانى كليوباترا ومطعم المائدة ومحلات أقمشة الجاويش ، عالم تانى لم نره من قبل ، وعدينا على كوبرى المحافظة البر التانى من بحر مويس ، شاهدنا رمزها حصان (جواد بلا فارس) ، ومررنا على مدرسة أحمد عرابي الاعدادية وبعدها ، دلفنا من باب المدرسة الحديدى الواسع بالشارع الجانبى ، وأنتظرنا الجرس والطابور ٠
* نادى شاب صحيح البنية مفتول العضلات في مكبر الصوت ، عليكم الأنتظام فى الطابور ، ويتقدم الأستاذ الفاضل/محمود فهمى رعية مدير المدرسة بالترحيب بكم فقال : –
{ نهنئكم بعام دراسى جديد مرحبين بضيوفنا الكرام من تلاميذ ومعلمين أبناء محافظات القناة وسيناء وفلسطين ، ولا فرق بينهم وبين أبناء الشرقيه إلا بالإلتزام والتفوق ، أنتم الصفوة المتفوقة فزيدونا تفوقاً ، أنتم بناة مصر المستقبل ، ضباط وأطباء ومهندسين ومعلمين ، لا مكان للفشل فى مدرستنا )
كلمات أعطتنا طاقة ايجابية من قيمة وقامة وكان معلم التربية الرياضية (خطاب) له تؤام معلم رياضيات ، وتكلم ضابط الفتوة الرائد أحمد مصطفى ، بأن التربية العسكرية يومان فى الأسبوع ، نرتدى الزى العسكري للتدريب على السلاح وفنون القتال ، وكلاهما دورا الطابور للفصول ، كاننا فى محراب نؤدى ترانيم وادعية لا يسمح بالنشاذ ٠
ذهبنا لفصولنا وكأن على رؤسنا الطير ، وفى الحصة الأولى أصطحبنا معلم العربية لإستلام الكتب وفى الطريق أشار للمكتبة العامرة بأمهات الكتب ، لكم حصة أسبوعية للقراءة الحرة (هو فيه ايه هذه السياسة التعليمية التى خرجت زويل ويعقوب وطه حسين ومحفوظ وعبدالناصر والسادات ومبارك والسيسى وأنا)
وأنتظمنا فى الصف ، معلم مكتمل الهندام بشوش الوجه متفانى فى الشرح وتوصبل المعلومة بطرق سهلة ، وتلاميذ ظهر التفوق وفارق المستوى بيننا وبينهم ، فعقدنا العزم ان نجتهد لنصل لمستواهم ، وقد تحقق أملنا بالصبر والمثابرة والمذاكرة ٠
(ملحوظة لادروس خصوصية نهائياً)
معامل العلوم كمختبر علماء ، غرفة الرسم كمعرض رسام ، ملعب القدم به المحترفين ، التنس اليد السلة الهوكى الطائرة ومنافسات بين المدارس ، مؤسسة تعليمية تربوية رياضية
فى الحصة الخامسة من اليوم الأول ، مدرس الأحياء (قيام) مرحباً برب عائلة الشرقية الدكتور/فؤاد محيى الدين محافظ الشرقية ومعه وكيل وزارة التربية والتعليم ومدير الأمن وأعضاء مجلس الأمة قال {كل عام وانتم بخير بناة مصر المستقبل ، أولادى من فلسطين وأقليم القناة يتفضلوا بالوقوف فهم أبطالنا ، وسلم علينا فرداً فرداً وربت على كتف كل واحد فينا أى حاجة عايزها مكتبى مفتوح وتعليماتى لمدير مكتبى واضحة بدخولكم} شفتوا المعاملة الخاصة للفلسطينيين مصر أم الدنيا •
هو ايه اللي بيحصل دول ناس ولا ملائكة ولا أحنا يامفاعيص مهمين للدرجة دية ، ناس كان كل همهم بناء الإنسان بالعلم والثقافة وبعد كده هو اللى هيبنى مصر ٠
{والله انا عندما أستعيد هذه الذكريات تنساب دموعى للمعدن الاصيل للمصريين }
وهاقول كلمة لإحقاق الحق : –
{من رحم المحنة تولد المنحة}
ولو لم نهاجر للشرقية ونتحمل المسئولية لأكتفينا بالاعدادية او دبلوم على الأكثر فالحمد لله ٠ معلش هى ذكريات أنقل لكم فيها صورة مكتوبة لوطن فى زمن جميل ٠
،،،وللحديث بقية ،،،

شاهد أيضاً

بمناسبة عيد الحب تعرف علي قصص الحب عند الفراعنة

متابعة : ماهر بدر الدكتور علي أبو دشيش، خبير الآثار المصرية، ومدير مؤسسة زاهي حواس …