بلادي بلادي لك حبي وفؤادي

بلادي بلادي لك حبي وفؤادي

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

الحمد لله الرحيم الرحمن، علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أنزل القرآن هدى للناس وبينات من الهدي والفرقان، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله سيد ولد عدنان، صلى عليه الله وملائكته والمؤمنون، وعلى آله وأزواجه وخلفائه وجميع أصحابه ومن تبعهم بإحسان ثم أما بعد اعلموا أن حب الأرض أمر بداخلنا منذ الطفولة، إذ نشأنا على تحية العلم صباحا دائما ما رددنا ” بلادي بلادي لك حبي و فؤادي” أسال الله أن يحفظ سائر أوطاننا آمنة مستقرة، ويمن علينا دائما بالأمن والأمان، فالوطن هو الهدية التي يعتز بها ويفتخر للانتماء له كل إنسان على وجه الأرض، لأنه بمثابة الأم والأسرة والحضن الدافئ له، فمهما بعدتنا الغربة عنه، وطالت المسافات بيننا، هناك حب وثيق جدا يربطنا به ويجعلنا لا نحتمل العيش بعيدا عنه وعن أرضه. 

 

وكما الطفل الصغير الذي ربي يلثم صدر والدته ليشرب الحليب، كما يشرب العاشق رحيق الزهرة التي أهدته إياها حبيبته، وفي البعد عن الوطن مستقبل وضياع، ويقول أحد الباحثين في يوم من الأيام جلست أمام الشاطئ أتأمل موجه الهادئ وأسراب الطيور ولحن العصافير والعلم يرفرف عاليا لكي أودع وطني لأنني مساء هذا اليوم سوف أسافر لأبحث عن عمل أضمن به مستقبلي، وها قد حان موعد الذهاب ومغادرة هذا الوطن الخلاب، فقلت صباح الخير يا قلبي، يوم جديد، وبلد جديد، وأناس أغراب وسوف تبدأ المغامرة والكفاح لكي أنال مبتغاي، أحاول ولا أعرف أين بالتحديد سوف يكون منتهاي، استأجرت منزلا صغيرا، لكن أجمل ما يوجد به تلك الشرفة المطلة على بحر جميل لكنه ليس كجمال بحر وطني ورائحته ليست مثل رائحة الوطن وكنت أستمتع بالنظر من تلك الشرفة.

 

لأنه كان يذكرني بوطني ويساعدني قليلا على تخطي شعور الغربة القاتل، كان لدي جارة لطيفة كبيرة بالسن وعندما تخبز الفطائر أتذكر صباح الجمعة عندما كنت أستيقظ وسط أهلي ونتناول فطورنا ونتحدث عن أمورنا وكيف كان الأسبوع الذي مررنا به، وأكابر على نفسي، وأقول إنني لا أحن ولكن الشوق مزق أضلعي، ولكن من شدة إيماني بالله أعلم أنه سوف ييسر حالي ويسهل أمري لكي أعود إلى وطني الغالي الذي لطالما حلمت بالعودة إليه بلا تردد، وبعد أن جاء اليوم الذي وجدت فيه عملا براتب جيد وساعات مناسبة لطاقتي، باشرت عملي وكلي أمل بالقادم، ولكن بدأ صراع يشتعل في عقلي، وشعرت أن أول يوم كان سهلا وسلسا للغاية، أما اليوم الثاني فكان قليل اللطافة وقاسيا إلى حد ما، أصبح أناس أغراب يدخلون إلى المحل ويخرجون منه ولم أستطع التعامل معهم. 

 

فهمهم ليسوا كأبناء بلدي، ولكنني حاولت أن أتأقلم وأتأقلم ولكنني لم أستطع وظننت أن الغربة قد تكون نجاة لكنها لم تكن إلا غرق، فالوطن هو الأمان والإطمئنان وأخيرا وبعد تفكير عميق ها أنا على عتبة المطار سوف أحلق عاليا عائدا إلى وطني، إلى أرضي، إلى حضن أمي، وسوف أسعى جاهدا وأنشئ عملي بيدي، وأنظم أحلامي وأهدافي في وطني وبجانب أحبتي، وأوجه رسالة إلى كل من يعتقد أن الغربة حل والبعد عن الوطن سوف يكون سهلا وأقول له لا يا صديقي أعد التفكير جيدا لأنك عندما تؤمن بالوطن سوف تجد أن وطنك هو منزلك الأساسي هو أمانك وإطمئنانك، وقيل أنه لما بلغ النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم الجحفة في طريقه إلى المدينة مهاجرا من مكة إشتد شوقه إلى مكة، فأنزل الله عليه قوله تعالى فى سورة القصص ” إن الذى فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد” 

 

أي لرادك إلى مكة التي أخرجوك منها، وقيل في تفسير الآية أنه يتوجه الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن خلفه القلة المسلمة التي كانت يومها بمكة، يتوجه الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مخرج من بلده، مطارد من قومه، وهو في طريقه إلى المدينة التي لم يبلغها بعد، فقد كان بالجحفة قريبا من مكة، قريبا من الخطر، يتعلق قلبه وبصره ببلده الذي يحبه، والذي يعز عليه فراقه، ولولا أن دعوته أعز عليه من بلده وموطن صباه، ومهد ذكرياته، ومقر أهله، يتوجه الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في موقفه ذلك، فما هو بتاركك

للمشركين.

شاهد أيضاً

ارتفاع غير مسبوق في منسوب مياه نهر النيل

ارتفاع غير مسبوق في منسوب مياه نهر النيل  كتب: أحمد نجاح البعلي    شهد مركز …