أخبار عاجلة

“الوطن فكرة لا تموت”

“الوطن فكرة لا تموت”

بقلم: طارق غريب 

“فلسطين : الوطن فكرة لا تموت”

طارق : نعم الوطن فكرة لا تموت

 طارق : ها هو الصباح الذي انتظره الناس طويلاً

صباح يشبه الحلم ، 

أو يشبه العودة من الموت.

الشمس تشرق على غزة دون أن تعانقها صفارات الإنذار ،

ودخان الحرب يتلاشى شيئًا فشيئًا في الأفق ،

كأن الأرض تتنفس لأول مرة منذ قرن.

تخرج الأم من تحت الركام ، 

تمسح التراب عن وجه طفلها وتهمس:

 “انتهت الحرب يا ولدي ، اسمع؟ 

لا صوت إلا صوت العصافير.”

ويضحك الأطفال وهم يركضون حفاة في الشوارع التي نجت ،

يرسمون بالطباشير علماً على الجدار المهدّم ،

ويكتبون تحته : “الحياة عادت.”

أما الآباء فيرفعون أيديهم إلى السماء لا ليطلبوا ،

بل ليشكروا ،

تختلط دموعهم بالتراب والبحر ،

ويقول أحدهم بصوت مبحوحة:

 “هذه المرة سنبنيها من جديد ، ولن نغادر.”

في المخيم ، توقد العجائز النار وتخبز الخبز بالزعتر ،

يحكون للجيل الصغير عن الأيام التي كانوا فيها يختبئون ،

وعن الشهداء الذين لم يشهدوا هذا الصباح ،

فتغيم العيون ثم تضحك رغم الغصة.

وفي المآذن والكنائس ترتفع الأصوات معاً،

تعلن لا حرب بعد اليوم ،

بل سلام فلسطينيّ الملامح ،

سلام من رحم الصمود ،

سلام بطعم الدموع والعزة.

وفي المساء ، حين يهب النسيم من جهة البحر ،

يجلس الجميع على الشاطئ يراقبون الأفق المضيء ،

تسبح المراكب الصغيرة كأنها أرواح من عادت من الغياب ،

وتقول غزة للعالم بصوتها المبحوح الجميل :

 “أنا لم أمت. أنا فقط كنت أحلم بالنهاية ،

وها هي جاءت ، تشبه البداية.”

(ساحة مهدمة في غزة ،

 صباح غير اعتيادي، الضوء دافئ لأول مرة منذ زمن.

 يسمع هدير البحر بعيدًا. 

أصوات الناس تخرج من الملاجئ بخطوات مترددة.)

طارق يتأمل السماء :

انظري يا غزة ، السماء عادت بلونها ، 

لا دخان فيها اليوم.

كأن الله قال كلمته الأخيرة: “كفى”.

عبد الفتاح المقاتل العجوز يمسح عرقه بيده الخشنة :

سمعتهم الليلة يقولون : انتهت الحرب.

لكن قلبي ما صدّق بعد ، 

 كأن الصمت هذا مؤامرة جديدة.

سعيد يقف بينهما ضاحكًا :

لا يا عم عبد الفتاح ، هالمرة مش إشاعة.

شفت الأطفال يركضوا بالشوارع؟

حتى الريح صارت تغني مش تصرخ.

نضال يخرج من بين الأنقاض ، يحمل علمًا مهترئًا :

الحرية مش ورقة تُرفع ،

هي نفس يتنفسه الناس بلا خوف.

أنا خرجت من الزنزانة ، والبلاد كلها كانت زنزانة أكبر.

لكن اليوم ، الباب انفتح.

(يصمت الجميع لحظة ، 

يسمعون أصوات الزغاريد والضحك في الخلفية.)

لوحة 

(عند بقايا منزل مهدّم ،

 هند تجلس قرب باب محطّم ، بين يديها صورة طفل.)

هند بصوت مبحوح :

قالوا انتهت الحرب ، 

بس ابني ما رجع ، 

اللي ماتوا ما يسمعوا السلام.

جميلة تجلس بجوارها ، تمسك يدها :

بس يمكن يا خالتي ، يسمعونا من السماء ،

يمكن يضحكوا لأننا عشنا بعدهم.

طارق يتقدم نحوها : 

كل شهيد صار حجرًا في جدار هذا الفجر.

يا هند ، الفرح لا يُلغِي الحزن ،

لكنه يزرع بين الدموع بذرة جديدة ، اسمها الغد.

عبد الفتاح بصوت متهدج :

يا ابنتي ، الحرب علمتنا نعرف قيمة النفس ،

اللي بقى حي لازم يعيش ، مش ينتظر الموت الثاني.

لوحة

(أصوات الأطفال تملأ المكان 

، يحملون بالونات وأعلامًا صغيرة. 

سعيد يوزع الخبز ، نضال يرفع العلم.)

سعيد ضاحكًا :

رجعت الكهرباء يا ناس!

رجعت! وراحت صفارات الإنذار إلى الأبد!

جميلة (تغني بصوت طفولي):

 “يا سماء ، افتحي جناحك ، وضمينا بالفرح والريح”

طارق ينظر إلى الأفق :

غزة الآن تشبه قصيدة

حروفها من رماد ، ومعناها من نور.

نضال :

اليوم ما بنغني نصر ، بنغني نجاة.

لأن اللي ينجو من الجحيم

يستحق أن يُولد من جديد.

هند تنهض ، ترفع صورة ابنها نحو السماء :

رحل ابني ، بس الوطن بقى.

وهذا كفاية لأبكي وأبتسم معًا.

المشهد الأخير

(السماء تميل إلى الغروب ، الضوء ذهبي ، 

الجميع يقفون على أنقاض المدينة ممسكين بأيدي بعضهم.)

طارق بصوت عميق) :

انتهت الحرب ، لكن السلام الحقيقي يبدأ منّا

حين نغفر ، دون أن ننسى.

عبد الفتاح:

حين نبني ، دون أن نرتعب من الهدم.

نضال :

حين نحلم ، دون أن نخاف من الفجر.

جميلة :

وحين نغني ، حتى لو كانت أصواتنا مبحوحة

(صمت . ثم يسمع صوت البحر ، هادئًا ، كأنه يصفق لهم.)

طارق يهمس :

الآن فقط ، بدأت الحياة.

ضوء على وجة جميلة الفتاة الصغيرة ، 

 التي ترى العالم بلون الزهر لا الدم.

(إظلام تدريجي، 

صوت أطفال يضحكون في الخلفية.)

تمت

طارق غريب

شاهد أيضاً

“مهجة والمطر “

“مهجة والمطر “ في ليلة هطلت فيها السماء دمع الشوق تسلل قلبها خلسة ، كطفل …

” أنا المتشرد “

” أنا المتشرد “ لكن ليس ذلك الذي تتيه قدماه في الطرقات بل الذي تتيه …