بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله كما أمر وأشكره على نعمه وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولو كره ذلك من أشرك به وكفر، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد البشر الشافع المشفع في المحشر، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان ما إنبلج فجر وإنفجر وسلم تسليما كثيرا، أما بعد إن الوسطية كمفهوم يلاحظ في جميع جوانب الإسلام وجزئياته، فهي تشمل الحياة في كل جوانبها ومعانيها، كما أنها تترك أثرا في نفسية المسلم الحق، فتصبغه بصبغتها ليتصرف بعد ذلك وفق ضوابطها وأهدافها وهذا ما جعل للإسلام ذلك الإنتشار السريع وأخذه المكانة العالية في السلم الحضاري، وإن الوسط يحمل دائما معنى الفضل والخير، فالوسط خير من الطرف دائما، وهذا التفضيل يرجع إلى كونه رمز للتوازن والعدل، ورمز للوحدة.
ورمز للتكامل والترابط والالتقاء، فوسط الشيء المادي هو مركز التوازن فيه ويلاحظ ذلك مثلا في كفتي الميزان، هذا التوازن المادي يقابله من الناحية المعنوية العدل، فالعدل في مجال السلوك والعمل والفكر هو المقابل للتوازن في لغة المادة، والمجتمع الوسط هو الذي يقوم على العدل والتوازن في جميع شؤونه المادية والمعنوية، ومن ناحية أخرى فإن الوسط رمز الوحدة دائما لأنه بطبعه يرفض التعدد، في حين أن الأطراف من شأنها أن تتعدد، فالشيء الواحد يمكن أن يكون له عدة أطراف، ولكن لا يمكن أن يوجد له إلا وسط واحد، وكما أن الأطراف المتعددة لا بد وأن تختلف، فكل طريق يختلف وجهة واتجاها بالنسبة للأطراف الأخرى في حين أن كل هذه الأطراف لا بد وأن تلتقي بالوسط وتتصل به لأنه المركز بالنسبة لها، فهو رمز الوحدة بهذا الاعتبار.
وهكذا الأمر بالنسبة للنواحي المعنوية من فكر وسلوك، فالفكرة الوسطى لا بد أن تلتقي بها الأفكار الأخرى في نقطة ما هي نقطة الإعتدال والعدل، فالتوسط بهذا الإعتبار مركز الوحدة الفكرية والسلوكية، وكذلك التوسط مركز التكامل والتفاعل، لأن أسباب الإتصال والإلتقاء بين الأطراف تنطلق منه أو تمر به، والصلة بين الأطراف المختلفة تكون دائما عن طريق الوسط ومن خلاله وبواسطته فهو نقطة جذب للأطراف المختلفة، فالوسط مركز الوحدة وشاهدها والأمين عليها عندما يهددها تعدد الأطراف وتضاد اختلافها، ولذلك قال الله تعالى كما جاء في سورة البقرة ” لتكونوا شهداء علي الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ” فلفظ الشهداء يحمل معنى الأمانة أي أمانة تبليغ الرسالة التي حملها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وبلغها لهم، ففي هذه الآية تكريم لهذه الأمة.
بأن جعلتها أمة رسالة وأمة بلاغ، وهي ذات رسالة أعظم نبي خليل الرحمن صلى الله عليه وسلم لتقوم من بعده بدوره فأي تكريم بعد ذلك، وإن هذا الفضل لهذه الأمة يرجع إلى سمو رسالتها وغايتها، وسمو وسيلتها لأن الإسلام أوسط الأديان، فهو رمز نقائها وصفائها ووحدتها وتكاملها واتصالها، وإن اعتدال المنهج الإسلامي وتوسطه في النواحي الروحية والمادية يحصنه من مزالق عدم الإستقرار، ليمنح من أظله بظله العدل والإطمئنان، فاللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي في معاشنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا
من كل شر.