بقلم: هبة هيكل – شاكر ابو دنيا
في مصر، لا يحتاج المحتاج إلى جهة مسؤولة، بل إلى ميكروفون. منبر مسجد، مداخلة هاتفية، أو “بوست” على فيسبوك قد يكون أسرع من أي مؤسسة حكومية أو منظمة مجتمع مدني. في لحظة، يتحوّل الإنسان إلى “قضية رأي عام”، لا لأن المنظومة أنقذته، بل لأن صوته وصل لمن يملك جمهورًا.
ولكن.. هل هذه الطريقة تُنقذ فعلًا، أم تُعمّق الأزمة؟
لقد استبدلنا العدالة الاجتماعية بمنطق النداء العاجل.
غابت المؤسسات، فحضرت العشوائية.
غابت الرؤية، فحلّت ردود الفعل.
فصار المواطن لا يطلب حقًا، بل يرجو من يسمعه.
من متفرج إلى مُنقذ
في غياب أنظمة حقيقية للرعاية الصحية، والتأمين الاجتماعي، وتكافل الطوارئ، انتقل العبء إلى الأفراد:
شيخ يُعلن الحاجة بعد خطبة الجمعة.
مذيع يطلب التبرع مباشرة على الهواء.
ناشط ينشر صورة حالة عاجلة ويجمع الأموال في حسابه الخاص.
وما النتيجة؟إنقاذ لحالة واحدة، وموت للعشرات الآخرين لم يصل صوتهم.مساعدة مؤقتة، ونسيان للمشكلة الأصلية.حالة حُظيت بـ”حظ إعلامي”، وأخرى دفنتهاالعتمة.
نعيش في نظام الصدفة
اليوم، لا يحصل الإنسان على المساعدة لأنه مستحق، بل لأنه وُثّق، أو لأن أحدًا تبنّى حالته. أصبحت العدالة خاضعة لمدى انتشار المنشور، أو عدد المتابعين، أو تعاطف الجمهور.وهذا هو أخطر ما في المشهد:
تحوّل الحق إلى حظ.غابت الدولة.. فحضر المتبرّع
المشهد مألوف جدًا: أم تبكي على طفلها المريض في فيديو قصير. تُشارك القلوب المنشور، وتنهال التبرعات. وبعد أسبوع، يُعاد نفس السيناريو مع حالة جديدة.لكن أين وزارة التضامن؟أين دور المحليات؟أين خطط الحماية المجتمعية؟أين قاعدة البيانات التي ترصد وتستجيب تلقائيًا بدل انتظار البث والبوست؟هل الحل في إغلاق الميكروفون؟بالطبع لا.الميكروفون وسيلة، لكنه ليس الحل.الحل الحقيقي هو بناء منظومة عادلة، شفافة، تُنقذ الإنسان دون الحاجة لأن يُصرخ أو يُصوَّر أو يُستعطف.الحل في تحويل التبرعات إلى أدوات لتقوية الدولة لا لتعويض غيابها.الحل في وجود جهة رسمية تُدير الدعم بتقنية،وتحفظ كرامة، وتمنع الاستغلال.نداءنا واضح:كفى إدارة للأزمات بالميكروفون.كفى حلولًا فردية تُكرّس العشوائية.كفى انتظارًا للبكاء حتى نتحرّك.نحن لا نحتاج مزيدًا من الأصوات المرتفعة.نحن نحتاج منظومة تشغل بصمت لكنها تنفذ بكرامه