بقلم الدكتورة/ ماجدة الشيخ – كلية الآثار جامعة القاهرة
للمرأة دوراً هاماً ومؤثراً في جميع مناحي الحياة ، خلال الحقب التاريخية المتعاقبة ، منذ العصور القديمة وحتى الآن ، سواء ما يتصل بحياتها الخاصة في بيتها ، أو ما يتصل بحياتها العامة في المجتمع .
ولا شك أن رقي أي مجتمع من المجتمعات يقاس دائماً بمدى تقدير ذلك المجتمع للمرأة واستجابته لمنحها حقوقها كاملة بوصفها الشريكة الأولى للرجل وساعده الأيمن في تحمل أعباء الحياة ، فالمرأة هي الزوجة التي تدبر شئون الأسرة التي تعتبر الخلية الأولى للمجتمع ، وهي الأم المسئولة قبل غيرها عن تنشئة المواطن الصالح والزوجة الصالحة.
وقد أوصى القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة بالمرأة خيراً ، فتعددت الآيات القرآنية الكريمة التي ذكرت بها المرأة، ومنها نذكر قوله تعالى ” يا أَيُها النْاس إتَقُوا رَبكم الذى خَلَقَكُم مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوُجَهَا وَبَثَ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرَاً وَنِسَاءَاً ” ، وعلى ذلك فالقرآن الكريم كان له السبق في الإهتمام بالمرأة والعناية بها ، وحث على دورها في المجتمع ، بل أن القرآن الكريم أول من أمر باحترام وتقدير المرأة ودورها في الحياة الإجتماعية .
كما أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنساء حيث ورد ذكر المرأة في العديد من الأحاديث النبوية الشريفة وذلك بقصد احترام دورها في المجتمع ومنها، قوله صلى الله علية وسلم ” الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة ” ، ” إستوصوا بالنساء خيراً فإنما هُن عَوان عندكم ، إن لكم عليهن حقاً ، ولهن عليكم حقاً ” .
وعلى ذلك نجد أن المرأة قد نالت في ظل الإسلام مالم تنله في كافة الشرائع والملل الأخرى ، فقد جعل الإسلام منها نصف المجتمع وسوى الإسلام بينهن وبين الذكور ، فالنساء شقائق الرجال وجعل الإسلام ، هذه المساواة في الحقوق والواجبات وإن كان هناك اختلاف في بعض المسائل فهى من باب تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة ، فحينما جاء الإسلام كفل للمرأة حقها المسلوب وضمن لها السعادة في الدنيا والآخرة , وبالغ في تكريمها وجعل لها شخصيتها المستقلة فأعطى المرأة نفس الحقوق المدنية التي أعطاها للرجل.
ومما لا شك فية أن وصول بعضهن إلى مقاعد الحكم مثل ملكات المصريين القدماء (حتشبسوت) ، والسلطانة المتفردة في العصور الوسطى (شجر الدر) ، أو قيام البعض الآخر بلعب أدوار رئيسية في تسيير دفة الحكم ، كالملكات من الأمهات أو الزوجات في مصر القديمة ، أو سيدات من وزن سيدة الملك في عهد الخليفة الحاكم بأمر الله الفاطمي ، أو أم السلطان شعبان في العصر المملوكي ، كل ذلك ينظر إليه باعتباره من الوقائع التي تخرج عن الأعمال الإعتيادية للنساء العاديات .
أما بالنسبة للنساء العاديات فليس هناك من الدلائل التاريخية ما يحملنا على الإعتقاد بأن النساء في الريف قد توقفن عن الإسهام الفعال في تسيير دفة الإقتصاد الزراعي بمراحله المختلفة بدءاً من المشاركة في أعمال الحقل المختلفة وتربية الماشية والدواجن وإنتاج مختلف أنواع منتجات الألبان وغزل ونسج الخيوط ، فضلا عن التجارة المحلية في الأسواق الدائمة والأسبوعية والتي كانت سمة مميزة للريف حتى نصف قرن مضى .
وخلال العصور التاريخية نجد أنه خلال فترة حكم الفاطميين (358-567هـ/969-1171م) معلومات أكثر وفرة عن دور المرأة في الحياة العامة والتحاقها بالعديد من الأعمال ذات الصبغة الرسمية .
وذلك لأن خلافة الفاطميين كانت أول دولة مستقلة تؤسس في مصر الإسلامية حيث صارت القاهرة عاصمة لهذه الخلافة بعد أن كانت مصر ولاية تابعة للخليفة الأموي ثم العباسي في دمشق وبغداد ، ولا جدال في أن رسوم البلاط الفاطمي قد أتاحت دورا متعاظما للمصريين بصفة عامة ، ودخلت المرأة لتشارك في هذه النهضة ، ومثلما لعبت الأميرات من الأسرة الفاطمية أدورا رئيسة ومؤثرة في تاريخ الفاطمي ، أسهمت المرأة معهن في إدارة العديد من مناحي العمل اليومي سواء داخل القصور الفاطمية أو خارجها ،
أما فيما يتصل بأوضاع المرأة خلال العصر الأيوبي فيظهر أن الروح الحربية التي سادت العصر الأيوبي قد أملت على بعض الأميرات من البيت الأيوبي العمل من أجل دعم المجهود الحربي ولاسيما في مجالات الإسعاف والمداواة للجرحى ، فنسمع عن الأميرة “ست الشام” بنت الأمير نجم الدين أخت السلطان صلاح الدين يوسف ، أنها كانت كثيرة البر والصدقات وكانت تعمل في دارها “الأشربة والمعاجين والعقاقير كل سنة بألوف الدنانير وتفرقها على الناس وكان بابها ملجأ القاصدين ، وقد تركت عدة أوقاف وأربطة بمدينة دمشق وغيرها .
كما ظهر دور المرأة أوضح ما يكون في مصر على عصر سلاطين المماليك ( 648-923هـ/1258-1517م حيث تمتعت المرأة في ذلك العصر بقسط وافر من الاحترام ، سواء كان ذلك داخل طبقة المماليك الحاكمة أو عند سائر طبقات المجتمع .
كذلك كانت المرأة تحظى بالإهتمام والرعاية في العصر العثماني ، وقد اتضح ذلك من الألقاب التي نالتها مثل الدرة الشريفة والحسناء والمحسنة ، ولم يَقِل الدور الذى لعبته المرأة في هذا العصر عن العصور السابقة ، فقد اشتهرت النساء العثمانيات بالأعمال الخيرية ، وعلى رأسهم حفصة سلطانة والتي أَنشَأَت في مانيسا مدرسة ودار شفاء وحمام .
وقد رصد الرحالة والمستشرقين الدور الذى لعبته المرأة فى التجارة والأسواق من خلال العديد من اللوحات التى تصور واقع الحياة اليومية من إدارة شئون البيت والعناية بأطفالهن واحتراف بعض المهن التي تتلائم مع طبيعتهن فعملت المرأة بالتجارة كبائعات للغزل والقطن والكتان ، وأيضاً وجدت الدلالات والبلانات وكانت ممارسة التجارة بالنسبة للنساء إما في تصريف البضائع داخل مساكن الحريم أو في الأسواق أثناء الموالد التي تعقد سنوياً وتعتبر من أعظم الأسواق في التجارة ,بجانب أن المرأة كانت تخرج لشراء ما يلزمها من الأسواق اليومية المعتادة, وقد ظهرت المرأة إما كبائعة متجولة تحمل سلعتها وتجوب الأسواق طلباً للرزق وكان يطلق عليهن البائعات الجائلات, أو تظهر وهى تفترش الأرض وأمامها بضاعتها التى تقوم ببيعها وكان يطلق عليهم أصحاب المقاعد, وغالباً ما كانت البائعات تلك يأتين من القرى والمناطق الريفية المتاخمة للمدن من أجل بيع منتجاتهم في أسواقها والعودة إلى قراهم .