بقلم الدكتورة / عزيزة عبد المنعم صبحي – استاذ مساعد بجامعة الإسكندرية
ارتبطت مكانة المرأة عبر عصور التاريخ المختلفة بطبيعتها البيولوجية التى منحتها القدرة على الإنجاب، وسماتها الأنثوية التى تتمثل فى الوداعة، الرقة، العاطفة، المثابرة……والتى منحتها القدرة على تربية النشأ وإعداده .
وهذا القول بالطبيعة الخاصة بالمرأة يُعد كالتابوه الذى يصعب الاقتراب منه أو مناقشته، حيث تفترض تلك الطبيعة أن دور المرأة الأمثل وربما الأوحد هو أن تكون أماً .
لكن ماذا لو حرمت الطبيعة المرأة من هذه الخصائص التى تضمن مكانتها، وربما كرامتها، وتُثمن دورها ؟ ماذا لو لم تتزوج المرأة ولم تنجب أطفالاً ؟ أو ماذا لو تزوجت المرأة ولم تنجب ؟ هل انتهى دورها؟ هل سُلِبت مكانتها ؟ هل سُلِبت أنثويتها؟ .
على الجانب الآخر، ماذا لو لم يتزوج الرجل ولم ينجب أطفالاً ؟ هل يعانى كما تعانى المرأة؟ هل تُسلب منه قيم الذكورية ؟ هل يُنزع منه دوره القيادى فى أسرته أو فى مجتمعه؟.
إن تحديد دور المرأة فى سياق الأمومة فحسب – ولا شك أنه الدور الأسمى على الإطلاق- يُعد تضيقاً لمساحات الحرية والحركة والفاعلية التى يمكن للمرأة أن تعبر من خلالها عن ذاتها، وتحقق نجاحات، وتتولى قيادات، بل وتقود الأمم أيضاً.
أما وأن يُقال إن هذا يحدث بالفعل، نعم يحدث ، ولقد أصبح دور المرأة أكثر فاعلية مما كان عليه فى الماضى القريب، لكنه يحدث بصورة استثنائية، وبتمثيل محدود، وبتمكين مازال أمامه الكثير ليتحقق . وما دمنا نتحدث عن المرأة ، ونتجادل حول دورها الحقيقى وعن مكتساباتها وما يصلح أن تقوم به من مهام ، فما زالنا نتلمس الطريق، بل وما زالنا فى خطواته الأولى.
إن القول بأن مكانة المرأة مرتبطة بطبيعتها البيولوجية، أى بقدرتها الإنجابية، أو بمدى مساهمتها فى الإنجاب ، هو قول ضارب بجذوره عمق التاريخ البشرى، فعندما كانت المرأة – كما كان يُعتقد – هى المسؤول الأكبر عن الإنجاب، كانت الهيمنة الأنثوية، وكان المجتمع الأمومى،
وعندما أكد مفكرو الغرب – أرسطو تحديداً – أن دور المرأة فى الإنجاب لا يتجاوز توفير المادة والمكان الحاوى للجنين، أما الرجل فهو الذى يمد الجنين بالروح – الصورة – وبالحركة البيولوجية، توارى دور المرأة الفاعل ، وتوارت بالتالى مكانتها .
لكن ماذا عن دور الطب فى تقييم هذه النظريات؟ وهل انتصر لموضوعية العلم أم لا؟
لقد انتصر الطب القديم لدور المرأة الفاعل – على النقيض من الفكر الفلسفى .
حيث أكد الطب الأبقراطى مساهمة الجسد الأنثوى فى عملية الإخصاب، فالإخصاب نتيجة لعملية مزج ميكانيكية لما يقدمه الذكر والأنثى سوياً ،
ورغم انتصار الطب الأبقراطى للمرأة ، فإنه فيما يتصل بدراسته عنها استند فى هذا إلى أفكار نظرية –لا حقائق علمية – تؤكد أن الإناث أكثر اندفاعاً وأكثر انفعالاً وأكثر لاعقلانية، مما أمد الذكور فضلاً عن الأسباب الاجتماعية والثقافية، بالأسباب الطبية لاستبعاد الإناث وعزلهن والنظر إليهن بدونية.
ولم يختلف الطب الحديث كثيراً فى نظرته للمرأة، حيث أكد فيما يتصل بعملية التخصيب سلبية الطبيعة الأنثوية ، متجاوزاً ما تم اكتشافه فى نهاية القرن التاسع عشر ، والذى أسماه العلماء “الزغبيات” وهى خاصة بالطبيعة الأنثوية، و تساهم مساهمة فعالة فى الإخصاب، لكنهم – أى العلماء- اهملوا هذا الاكتشاف لما يقرب من قرن من الزمان.
والتساؤل الذى يطرح نفسه وبقوة، لماذا أغفل العلماء ذلك الكشف العلمى الذى يؤكد إيجابية الطبيعة الأنثوية ودورها الفاعل فى عملية الإخصاب؟ إن افتراض جهل هؤلاء بهذه الحقيقة غير مقبول ، وغير منطقى، إذ كيف يجهل العلماء الملاحظات العلمية قيد البحث والنظر؟ لكنه ذلك التوجه الذكوري الذى يحافظ على مركزية الذكر ودوره الفاعل و الإيجابى ، والنظر إلى الأنثى بوصفها ذلك العنصر السلبى المادى.
ومن ثم ، فلقد استُخدم العلم ، أحياناً ، كأداة لإحكام الهيمنة الذكورية.ليس هذا فحسب، ولكن الرجال قد كتبوا تاريخ العلم أيضاً بأقلامهم وبأفكارهم وتوجهاتهم بل ورؤيتهم للنساء، وتم تنحية المرأة والتعتيم على دورها فى مجال العلم، وهو ما ذكرته ليندا جين شيفرد فى كتابها “رفع الحجاب” أو ” الوجه الأنثوى للعلم” والذى ترجمته الأستاذة الدكتورة يمنى الخولى بعنوان ” أنثوية العلم”، ولقد اوضحت المؤلفة من خلاله كيف اصطبغ العلم بالصبغة الذكورية بقيمها وملامحها، واستبعدت منه الخبرات الأنثوية واعتبرتها ضد العلم.
وجملة القول، استخدمت الطبيعة البيولوجية للمرأة والتى حباها الله بها لتكون سبب تفردها وتميزها وقوتها، استخدمت ضد المرأة نفسها، وذلك لأنها حددت الإطار الذى لايمكن للمرأة تجاوزه، بل حتى فيما يتصل بالقول بالطبيعة البيولوجية للمرأة ، والتى تجعل المرأة قادرة على الإنجاب ،يظل الرجل هو المهيمن المسؤول عن هذا، وهذا التصور الخاطئ هو ما تغافل العلماء عن نقده لزمن طويل.