(المتقاعد الشاب ) “الفصل الثالث”

(المتقاعد الشاب )
“الفصل الثالث”
-الكائن-
“الغريب في وطنه”
،،،قصص،،،

-١٧-
(تناسخ أرواح )

(المجموعة الأخيرة)

،،،فتاة،،،

قبل جائحة كورونا كنت أنتظر دوري على المقاعد في فرع أخر للبنك الذي استلم منه مرتب التقاعد
الشهري ،
كانت الموظفة تتأمل وجهي بأستمرار ..أما أنا فكنت متظاهر بأني غير متنبه لها ، حتى جاء دوري ..قبضت مرتبي ..إستدرت ..خرجت من
الباب الزجاجي الأوتوماتيك..سرت قليلا ..
وعندما تذكرت نظرات الفتاة إستدرت ..نظرت
بأتجاه البنك كانت الفتاة قد تركت مكانها ووقفت
خارج البنك تنظر إلي كما وأنها لاتريد مني المغادرة،
ما إن إلتقت الأعين حتى شعرت بالارتباك والحياء
معا ثم عادت إلى الداخل .

،،عودة،،

كعادتي خرجت في الصباح الباكر متنكرا بثياب
رجل عجوز رث الثياب محني الظهر كي أتجول
في مملكتي متفقدا أحوال الرعية ،
سرت متعمدا إحناء ظهري متظاهرا بالتعب الناجم
عن كبر السن ،وكنت أتابع عن كثب أحوال البلاد ،
إثنان من الجنود مروا ببائع قوارير أجبروه على
دفع إتاوة لمسؤول ما مقابل أن يتركوا قواريره
على حالها دون تحطيم ،
جنديان أخران يتحرشان بفتاة جميلة ..يقترب
منهما شاب شهم محاول إبعادهم عنها..يسمح لها
بالهرب يتكاثر الجنود عليه . ينهالون عليه بالضرب
بمؤخرة الرماح بينما الناس ينظرون ويهزون
رؤوسهم اسفا ،
بائع سمك يرفض أن بدفع الإتاوة لأنه لم يبع شيئا
منذ الأمس ،يقلبان بسطته على التراب وينبشان
جيوبه ويأخذان مامعه،
إقترب مني جنديان مدججان السلاح قال أحدهما
ساخرا وهو يمد سنان رمحه الحاد على وجهي :
“ماذا تفعل هنا إيها العجوز ؟”
قال الجندي الثاني ساخرا:
“لابد أنه ينظر إلى الفتيات الجميلات هذا اللعبن؟”
قلت بغضب :
“حسنا إقتربا انت وهو إيها الخنازير القذرة؟”
ثم نزعت ثياب التنكر لتظهر ثيابي الحقيقية
تحتها عندها شعرا بالخوف فسجدا على الأرض
عند قدمي يطلبان العفو ويكرران معا:
“الرحمة والعفو يامولاي ..الرحمة والعفو يامولاي؟”
“أيها الأوغاد سأقوم بتنظيف مملكتي من أمثالكم؟”

،،،حدث لاينسى،،،

في عام ١٩٨١ إختارتني المدرسة من بين خمسة
أولاد هواة للسفر إلى مملكة البحرين للمشاركة قي
مهرجان للهواة ،
وكانت المرة الأولى والأخيرة ألتي اسافر فيها إلى
خارج البلد وكان عمري حينها ستة عشر عاما فقط،
في إحدى النزهات بباص الفندق الصغير لمحت
أولاد يسبحون في مسبح شعبي عام ،
وكان يقع في متنزه واسع ..كانت المياه تأخذ
اللون الأحمر بسبب الأتربة ،لأن المسبح غير مبلط..
أصابني شعور غريب وإنقبض صدري عند رؤية
ذلك المشهد…لاأعرف السبب،
في صباح اليوم التالي وكان يوم فراغ بالنسبة
لبرنامج الأنشطة..فكان ذلك لصالحي،
خرجت من الفندق دون إذن من المشرفة الأردنية
المرافقة لنا وتوجهت إلى ذلك المسبح،
كان أحد الأولاد بنفس عمري ..وكان يجلس على
حافة المسبح ..جلست إلى جانبه ووضعت ساقاي
في الماء مثله ..تعارفنا سريعا ..حدثته عن بلدي
وحدثني عن بلده ،
كنت في كل حين اسمع صوت يخترق أذني إلى
دماغي ..صوت فتاة في منتهى الجمال والرقة
يقول لي :
“هيا إنزل إلى الماء كم هي رائعة اليوم!؟”
لكن لايوجد فتيات هنا أبدا ..
فاستغرب صديقي الجديد من شرودي الذهني
كل حين ..ثم طلب مني أن نسبح معا ..إعتذرت
لأني لاأرتدي شورت السباحة ،
أحد الأولاد كان يعوم قريب من الحافة ..يبدو
أنه لايجيد السباحة ..توقف ..نظر إلي وهو يلهث..
شعرت أنه كان يشعر بالتعب ..امسك بحافة الجدار..قلت له بعفوية:
“تقدم قليلا إلى الأمام ستجد حافة بارزة يمكنك
الوقوف فوقها لتسترح عليها؟!”
تقدم الولد قليلا وبالفعل وقف فوق الحافة وإستراح فوقها واقفا ..نظر إلي صديقي الجديد
وهو مندهش ثم سألني :

“كم مرة سبحت في هذا المسبح ؟،
قلت :
“لم اسبح فيه اطلاقا وهذه المرة الأولى التي
أزور فيها مملكة البحرين ؟”
سألني بأستغراب وعدم تصديق :
“ولكن كيف عرفت أنه يوجد حافة في أسفل
الجدار؟”
وبالطبع لم استطيع إجابته ..
لأني بالفعل لااملك الإجابة .

،،، مندهش من نفسي ،،

كنت دائما أحاول أن أبعد هذا التفكير.. وأن أفكر
بأي شيء أخر ،خصوصا أن العلم لم يؤكد هذه
النظرية ،حتى الدكتور مصطفى محمود نفسه لو
كان على قيد الحياة فسوف يشكك في مقدرتي
العقلية ،
لكن مايحدث معي دائما يقول غير ذلك .

،،، من أنا ،،،

قبل أن أتحدث عن من سمعوني أتكلم في نومي
بلغات أخرى بطلاقة بالرغم من أني لاأتكلم سوى
لغتي المكسورة ،
البعض قال أنه سمعني اتكلم باللغة القبائلية ..و
اليابانية والأوردية حتى .

،،أين أنا،،،

البعض سمعني اذكر أسماء شخصيات في التاريخ..
واتحاور معها بطلاقة. منها شخصيات فرعونية
ورومانية وتركية ومغولية .

،،انا اتذكر ،،

تسير ملهمتي نجاة الصغيرة إلى جانب النيل بين
أشجار النخيل، تغني :
“القريب منك بعيد والبعيد عنك قريب ؟”
يشرد ذهني إلى ذلك المكان في المشهد ..لا ان قلبي لم يكن
هو السبب ..قلبي لم يأخذني إلى هناك
أبدا،
لكني متأكد كل التأكد أني سرت يوما في ذلك
المكان بالرغم من أني لم ازر أرض مصر إطلاقا،
نعم سرت في ذلك المكان وحفرت اسمي على
ساق شجرة في داخل قلب …مع اسمها ..وقد
جرحتني شوكة وكسرت في يدي حينها ..أني
اذكر ذلك جيدا ..اذكر ه..لكن …كيف ..؟!!

،، !!!!!! ،،،

زميل جديد في العمل عندما رآني لأول مرة
وتحدثنا معا ،سألني :
-من أي بلد أنت ؟
قلت :
-من هنا من الأردن.
قال :
-عجيب …لهجتك مزيج من اللهجات أردني على
مصري على مغربي وبعض كلماتك ثقيلة كما وأنك
تشقى في نطق العربية؟

،،من نحن،،،

صديق أخر وهو من تونس وبعد أن تأملني طويلا
ولأول مرة يتأملني بها ،سألني :
-هل عشت في المغرب ،أوزرتها؟
قلت :
-لاابدا لم أعش فيها ولم أزرها أيضا.
قال :
-هل أنت متأكد من ذلك ؟!
قلت :
-متأكد كل التأكد .
قال:
-شيء غريب ..شيء غريب حقا ؟
ثم صمت.

* * * * * * * * * * * *

ياترى …؟!!
من أنا..؟!!
من كنت …؟!!
ومن سأكون؟!!!

(تمت كاملة )
تيسيرالمغاصبه
٢٠١٩
٢٩-١٢-٢٠٢١
الساعة الثانية عشرة والدقيقة الثامنة صباحا.

شاهد أيضاً

القاص سعيد رضواني:”قلعة المتاهات حين تكتب القصة طيف كتابتها

القاص سعيد رضواني:”قلعة المتاهات حين تكتب القصة طيف كتابتها بقلم/ شكيب أريج مر على صدور …