اللاعب رقم عشرة
بقلمي: عبده داود
يا رقم عشرة، المعذرة، أنا لا أعرف اسمك، وليس لي في الرياضة، ولم أهتم فيها يوما…
أمس كان أخي يشاهد مباريات بكرة السلة…
أنا شخصياً عندما تعرض محطة تلفزيونية برنامجاً رياضياً، أدير التلفاز إلى محطة ثانية، الكرة لا تعنيني لا من قريب ولا من بعيد، وأستغرب لماذا معظم الناس تلفت أنظارهم الكرة، وخاصة عندما تخترق شباك الخصم، أمس عندما شاهدتك تسقطها برشاقة ساحرة جذبتني…
آسفة جداً، أرجوك أن تتابع رسالتي إلى الآخر.
انا طالبة متفوقة في دراستي، وهذه هي سنتي الأخيرة في الجامعة… سأتخرج في كلية علوم الكون والفضاء…سوف تستغرب ما الذي دفعني إلى هذه الدراسات الغريبة، الحقيقة أنا تطربني شهب ونجوم السماء… كم ليلة من عمري سهرت مع حبيبي القمر الذي أعشقه، ولست أدري إذا كان هو يحبني، أسهر أناجيه وعيناي تتأملان جماله الساحر، وكأنه هو حبيبي وحدي… أنا ليس لي حبيباً على الأرض اغازله ويغازلني…ربما عشقي للكون، وخالق الكون، هما اللذان جعلاني أعيش في الأحلام، أبحر في متاهات الكون، وأحلق في كبد السماء، وكم مرة حاولت أن أعد النجوم فوق بيتنا…لكنني كنت أغفو على مقعدي وأنا أحصيها وأراقبها، كانت أمي تربت على كتفي لتوقظني حتى أنتقل إلى فراشي، وفي الصباح تسألني كم اعددت ليلة أمس من النجوم…
كنت أضحك وأقول لا تسخري مني يا أمي… انا كل يوم اكتشف نجوماً جديدة وتضيع حساباتي القديمة، وأتوه في بحورها، اللامتناهية…واعدادها التي لا حدود لها…
أمس يا رقم عشرة، عندما رأيتك وأنت ترمي ضربات جزاء في شباك السلة المتدلية في مرمى الخصم، لا أدري لماذا سحرتني الكرة التي اخترقت حبال السلة برشاقة ساحرة ، وأعتذر أن ابوح لك بأن رمية الكرة تلك برشاقتها اخترقت شغاف قلبي، كما اخترقت الكرة شبكة السلة… هذه هي المرة الأولى التي يهتز فيها قلبي إلى شاب أي شاب، كنت أظن بانني مريضة قلب، أو ربما ذات عاطفة متجمدة في ثلاجة خلقية، وكنت أقول هذه أنا كما خلقتني يا الله، وكيف لي أن أعترض على ما صنعت أنت بي…
وعشقتك وصرت أنت قمري، واعتبرت ذلك هو تدبير من السماء، واسعدني ذاك الشعور…لكن في الليالي التي يختفي فيها القمر، كنت ادخل إلى مخدعي، وقد رسمت على أحد جدران غرفتي صورة البدر مبتسماً يساهرني… وكنت اغازله حتى أغفو…
ولم أكن أحلم بانه سينزل يوماً إلى الأرض حتى أقابله…
نعم رأيت قمري أمس على الشاشة الصغيرة، وهو يلقي الكرة بالشبكة…حينها عرفت بأن هذا هو حبيبي الذي ارسلته السماء، رأيته أمس وهو يلعب الكرة… هو أنت… يا رقم عشرة…
أرجوك لا تسخر مني، ولا تلقِ رسالتي في سلة المهملات، او ربما تعتبرها مجرد دردشة فارغة تكتبها عاشقة مراهقة، من خلف جدران غرفتها…أنا كما أخبرتك طالبة كدت أنهي جامعتي، وقد اخترت هذه الدراسة لتكون حياتي ليل نهار مع احبائي القمر والنجوم
واليوم جاء حبيبي إلى الأرض، هو بذاته الذي أعيش معه كل ليلة وأرسل له قبلاتي، اليوم. تجسدت أحلامي وصارت أنت…
ارجوك أن تمنحي دقيقة واحدة أراك فيها، حتى أرى فيها لون عينيك، كما هما لا كما اتصورهما في خيالي…
صحيح زميلاتي يقلن عني بأنني جميلة أشبه القمر، لكنك انت هو الحقيقي.
في نهاية رسالتي الطويلة. التي لا تنتهي، لأن أحاديثي هي مخزون حياتي وعمري، لكنني أخاف انني أخذت من وقتك الكثير، أعذرني.
أنا انتظر ردك يا قمري يا رقم عشرة…
جاء الرد من الرقم عشرة:
عديدات هن المعجبات في الرقم عشرة… عديدة الرسائل التي تصل إلى صندوق بريدي كل يوم، وخاصة بعد كل مرة أسقط فيها الكرات في السلة، أغلبهم يعرفون اسمي الحقيقي، بعضهن زميلاتي في الجامعة، أنا طالب أدرس الفلسفة، ولا أخفاك أنا لا أنظر إلى القمر كما أنت تفعلين، لم افكر يوما في مغازلته، يمكن لأن القمر مذكر، تحبه الفتيات… لكن بعد رسالتك، أخذت أنظر اليه ملياً وأتخيل وجهك مرسوماً عليه، وضاعت المعاني بين الذكورة والأنوثة…هل تعتقدين يا عاشقة الليل بأن القمر له طبيعتان ذكورية وانثوية؟ لأن الجميع يحبونه الشباب والصبايا…
أنا بعدما وصلتني رسالتك، بت أعاين ذلك البعيد الأصفر… وأضحيت أقول لماذا أنا لم أكن أراه كما يراه العاشقون…
اليوم، أصابتني العدوي، كأنها فيروس دخل إلى جسدي، واطاح بجهازي المناعي، وأحسست بعشق إلى ذاك البعيد الذي اضحى قريباً مني… وخاصة عندما يكون ذاك الأصفر مدوراً، حينها أقول ربما ذاك البدر هو أنت…
بصراحة، لم يخطر ببالي يوماً أن أحصي النجوم، ولكنني أصبحت مولعاً في حساب اعدادها واشكالها واسمائها…ولا أخفاك ايضاً انه عندنا في بيتنا منظار قديم كان لجدي، لم استعمله يوماً، لكن الآن بت انظر بعيونه، واعد النجوم مثلك، يا ترى هل يختلف عددها عن تلك التي انت تعدينها؟
أتمنى أنا، أن أرى القمر بعينيك العاشقتين، واعدد النجوم كما أنت تفعلين، وسوف انظر أنا من خلال عينيك اللتين أتصور جمالهما كجمال الليل الذي يزينه ذاك البدر الرائع، الذي بت أغار منه، لأنه أنت التي بت اشعر بأنني عاشقاً لها، واستمرت وتكررت رسائل الحب…
وبعدما تخرجا في الجامعة التقيا، وانبهرا ببعضهما البعض…ودارت أفراح العرس، وتزوجا وخلفا، نجوماً حقيقية…
بقلمي: عبده داود